في علم النفس…

من وسائل الدفاع عن النفس, لتحويل الإتجاه بعيداً عن المشكلة الحقيقية التي

تسبب إيلاماً نفسياً شديداً لنا , هو إستبدالها بمشكلة أخرى ,تجعلنا نشعر بلذة التضحية و بسعادة أن نكون كبش فداء بينما المشكلة الأصل في مكان آخر….

مثال:
فتاة بلغت سن أعتبرت أن قطار الزواج فاتها و هرب منها العمر…..ترى علاقتها بأمها العجوز علاقة مرضية مبالغة في الرعاية و الحماية للأم..لا بل تقنع نفسها و بلذّة أن ترك أمها لوحدها جريمة لذا هي لا تريد أن تتزوج كما فعل أشقاؤها و شقيقاتها و يجب أن تنذر حياتها لوالدتها…هنا نجد تهرّب واضح من مشكلة حقيقية بإختراع مشكلة وهمية أخفت المشكلة الأصل لا بل أعطت أمان نفسي كاذب لصاحبة العلاقة….

طبعاً مع إحترامي لكل العازبات و طرح المثال للإستفادة و مواجهة الحقيقة لا للهروب اللذيذ المرضي…..
و قيسوا على ذلك…

د.عدنان عبود

‏23‏/10‏/2014

===============
رحلة في الإنسان

علم نفس: الإكتئاب وانعكاساته على السلوك الشخصي

إعداد: ناديا متى فخري

أن نتحدث عن الكآبة النفسية وأسبابها وردود فعلها على الشخصية, فهذا يعني أن يشمل الحديث كل التنويعات الإنفعالية التي يتعرض لها الأفراد وتأتي ردود فعلها هوجاء, غير محسوبة في أسلوبها وفي نتائجها. ورغم تعدد السمات البارزة للشخصية الإنفعالية ­- الإكتائبية, إلا أن أهم مظاهر هذه الشخصية هي كون صاحبها يجد نفسه معزولاً عن المدار الإجتماعي مما يزيد من انفعالاته وشكوكه بالحاضر والمستقبل.
من الطبيعي أن تكون الشخصية الإكتئابية مبددة ومبعثرة لطاقات الفرد, فالمكتئب يتسم بالتهوّر والتوتر الدائم, وضعف المقدرة على ضبط النفس, والشعور بالنقص والذنب, وغير ذلك من حالات عدم الإستقرار في المزاج والعاطفة والتركيز الذهني, وهو يعجز بالتالي عن الاستجابة الضرورية ­- المثالية للعلائق الإجتماعية, ويعاني من قصور في ملاقاة التزاماته الحياتية في النطاق الشخصي والعائلي, الأمر الذي يوسمه بشخصية موتورة عبثية وغير مهيأة لتحقيق بناء حياتي متماسك ومتميز.. ومعظم الذين يعانون هذا النمط من الشخصية يتقبلون لأنفسهم مكاناً هامشياً في الحياة..
لماذا نشعر بالإكتئاب, وما هي الأسباب التي تحفّز فينا هذا الشعور المرضي القائم الذي يؤثر سلباً على السلوك الشخصي والإجتماعي؟ ولماذا يُبدي البعض تخوفاً من الآثار الجانبية للإكتئاب؟

كيف يتأصل الإكتئاب في النفس؟

الإكتئاب, مرض نفسي يرتبط بالحياة المزاجية للفرد, ويمكن اعتباره ردّ فعل طبيعياً لإنفعال حاد قائم في النفس, وغالباً تؤكده مصادر مسببة من الداخل وتقترن بمشاعر الضيق والقلق التي تهيئ الفرصة لعنصر الإكتئاب للظهور بشكل تلقائي. ومعظم حالات الإكتئاب تنجم عن صدمات نفسية يتعرض لها الفرد وتحدث اضطراباً في داخله يعكس خللاً في علاقته مع نفسه يُنذر بالسوء, ولعلّ أخطر ما تتصف به الكآبة, هو السلوك الإنطوائي الذي يتقرر تبعاً للشعور العميق بالإحباط والتشاؤم الذي يبلغ أحياناً حد الوهم والتخلّف السلوكي.
إن الاصابة بالإكتئاب, ليست محصورة بعمر معين, فالأطفال أيضاً يكتئبون ويعانون الشعور بالصراع النفسي الذي تبنى على أساسه نوازع الكآبة, وأعراض هذه الحالة تظهر عليهم بصور متعددة: كاضطراب النوم, الإنهاك, الكسل, التمارض وفقدان الشهية للطعام, الإنطواء على النفس, وأحياناً يتوهمون ما ليس له وجود, والكثير منا قد يكون لاحظ مثل هذه الأعراض على أحد أولاده, وربما يكون قد تعرّض لمثل هذه التجارب بنفسه, ولكن القليل منا يعرف كيف يتأصل الإكتئاب في النفس, وتأثير هذه الحالة على سلوكه وشخصيته.
إن الشعور بالإكتئاب هو انتهاك لأمان الفرد ودليل على وجود ركود في طبيعة حياته النفسية, خاصة في مجتمع الطفولة, وقد ساد اعتقاد بين علماء النفس والطب بأن الإنسان يكون أكثر تعرضاً للكآبة النفسية والعقلية في مرحلة الطفولة والحداثة, باعتبار أن الأعراض الإكتئابية في مثل هذا العمر المبكّر تأتي من توفر مصادر مثيرة وتلقائية تصيب الأطفال. والخطورة تكمن في أن الإكتئاب هنا يصيب شخصية لم يكتمل نموها بعد, ولم تصل الى مرحلة النضج النفسي والذهني والعقلي. كما أن لتجارب الطفولة أن توجّه الحياة السلوكية لصغار السن بصورة غير واعية, فيما لو تهيأت الظروف المساهمة في تصدّع البناء المعنوي وهدم ثقة الطفل وتشويه طمأنينته: فالصغار شديدو الحساسية وكل ما يمس صحتهم النفسية يؤدي الى انقلاب خطير في سلوكهم الشخصي. لذلك يقتضي البحث لمعرفة الأسباب الأصيلة التي تستقر وراء هذه الحالة المرضية, وردود فعلها وما ينتج عنها من سلوك مرضي.
لقد صنّف الطب النفسي الحالات الإكتئابية في كونها واحدة من إثنين: الإكتئاب الظاهر في السلوك, والإكتئاب المقنّع, وهو أخطر أنواع الإكتئاب, نظراً لصعوبة التعرّف الى أعراضه وهي في الغالب أعراض مرضية زائفة: منها مثلاً, الوسواس المرضي )توهّم المرض(, الأرق, التخوّف من مصدر مجهول, توقع السوء باستمرار, وغير ذلك من أعراض مرضية يتوهم الإنسان أنها قائمة فيه, ويظل هذا الوسواس موجوداً لديه وقد يتضاعف إذا ما وجد فيه تعويضاً لنقص عاطفي أو معنوي أو مادي في حياته وفي علاقاته الأسرية والإجتماعية… وعلى العموم, إن الكآبة في مختلف مراحل العمر مشكلة إنسانية, ولا يمكن أن نتقي تيارها العبثي إلا باكتشاف أعراضها مبكراً.

الكآبة وخطر الانتحار

لعلّ أقصى ما يعانيه المريض بالإكتئاب, هو الأعراض الاكتئابية الصرفة التي من أخطر مظاهرها: الأفكار الانتحارية, الناجمة عن الشعور بالذنب والتشاؤم والإحساس بعدم جدوى الحياة, وهذه الصورة السلبية عن النفس وعن الحياة, أكثر وقوعاً عند كبار السن, وغالباً ما يسيطر على المكتئب الشعور بأنه مكروه من عائلته, أو أنه يشكّل عبئاً على أفراد أسرته, ولا شك أن هذا الإدراك السلبي والتفكير الإنهزامي يفرض الإحاطة بجميع العوامل المتوفرة في المجال البيئي للمكتئب للوصول الى الدوافع السببية المرجحة لمشاعر الهزيمة. والأفكار الإنتحارية تعتبر من أخطر الصور المرضية للكآبة, وأكثرها خطورة تلك التي ينجم عنها المحاولات الإنتحارية التي يحدث فيها التعدي على الآخر قبل أذية النفس, ففي مثل هذه الحالات يشمل الخطر المجتمع ككل, وهل هناك أخطر من أن يُقدم المكتئب على قتل غيره كجزء من عملية انتحاره؟
لا شك أن المكتئب حين يتجه نحو الأعمال الإنتحارية يكون مندفعاً من شعوره باليأس, ومن إحساسه بعدم جدوى الحياة له ولبعض أفراد أسرته من بعده… إن هذه الصورة المرضية للكآبة الصرفة, مردّها الى الأفكار الخاطئة التي يتبناها الإنسان عن نفسه وعن عالمه, وأيضاً تعود الى أساس نفسي غير مستقر يدفع الفرد الى التشاؤم والتركيز على الجوانب السلبية من الحياة.
يعيش المصاب بالإكتئاب مرحلة محفوفة بالمخاطر, وهي مرحلة تقتضي منتهى الحيطة والحذر تجنباً لحدوث كارثة اجتماعية إنسانية.

ضرورة فتح آفاق جديدة

يرى وليم جلاسر (Glasser), أن الذين يعـانون من الكآبة تجمـعهم خاصية واحدة, وهي إنكارهم لواقع العالم من حولهم, وهو يدعـو لذلك الى ضرورة فتـح آفاق جديدة في حيـاة المكتـئب, تساعده في الخروج من حالتـه, والإتصال بواقـعه بنفسية متفائلة بعيداً عن التشاؤم والمزاج السوداوي. ويقول جـلاسر, إن التقـرب من المكتـئب وإقامة علاقـة ودية معه تشجـعه على أن يتحرر من متاعـبه النفسية, ويوجّـه انتباهـه لكي يصبح واعيـاً للحياة من حولـه وقـادراً على التعايـش مـع الواقع بعقلية متفهمة, فهذا يكفل له التعويض عن إحساسه بالنقص ويجعله ينظر الى الأمور بكيفية مثالية؛ ويقول جلاسر أيضاً: على المكتـئب أن يرتبـط نفسياً مع غـيره وعلى الأقل مع شخص واحد, ذلك أنه إذا استطاع الإقرار بوجود شخص واحد يرتبط معه بعلاقة ودّ واحترام وتفاهم, فإنه لن يبقى معزولاً ومنغلقاً على نفسه, وفي ذلك مفتاح تحقيق حاجاته النفسية المسيّرة لسلوكه والمحفزة لإنفعالاته. ويضيف مفسراً: إن الإصابة بالإكتئاب تسم شخصية صاحبها بالتردد والشك والعناد, والشكوى والقسوة, وكل صفات الشخصية الضعيفة -­ العديمة المسؤولية.

للكآبة وجوه متعددة

تأتي كآبة الأطفال كجزء من انفعال القلق, ومعظم حالات الكآبة الطفولية تُثار بسبب ما يتداخل في نفس الطفل من أحاسيس محبطة, وما يمر به من تجارب ضاغطة تفوق قدرته على التحمّل. وليس مقبولاً أن نفترض عدم وجود سبب للكآبة لمجرد أننا لم نقع عليه, فالطفل قد لا يستطيع التعبير عما في نفسه وفي ذهنه من أمور تزعجه, وهو لا يقدر أن يصف الحالة التي يعاني منها مباشرة, بل هي تظهر في سلوكه, وبأشكال متعددة, منها: خمول وعدم اكتراث, الانكماش على النفس ورفض التعاون, البكاء لغير سبب, والتمرد على رغبات الأهل.. الخ.
ولكآبة الطفل أسباب كثيرة: إحساسه بالإهمال والحرمان, والحاجة الى تأكيد الذات, ورفضه انتقاد والديه له والإنتقاص من قدر نفسه, الخ… وأكثر ما يؤذي الطفل هو الإعتداء على معنوياته, وشعوره بالإحباط.
قد تسـاور الطفـل أفكار سـوداوية تؤذي نموّه وحياته الوجدانية, وقد تراوده أفكـار انتحـارية, ويقـدم على تحقيقها لدافـع ما, وهذه الحالات وإن كانت نادرة في عالم الصغار, إلا أنها خطيرة وتفرض غاية الحذر, وأيضاً تلزمـنا بضرورة حجب مختلف العقاقير والوسائل التي يمكن استغلالها في المحاولات الانتحارية, وتطالبنا بمراقبة سلوك الطفل وعـدم إهمال صحته النفسية ومعالجته.

اضطرابات نفسية ومزاجية

في فتـرة الطفولـة يمرّ الصغار باضطرابات نفسية ومزاجية لا حصر لها, وهي في مجملها تتسبب في إثارة الإكتئاب في نفوسهم, وكلما كانت الحالة الإكتئابية حادة, واجه الفرد أزمة سلوكية, خصوصاً أن الكآبة النفسية أو العقلية تترك بصمات سلبية في الشخصية وسماتها الأساسية: العقلانية, الحذر, الإتزان, الاعتماد على النفس, الشجاعة على مواجهة المواقف, الإرادة المقرونة بكفاءة عالية, الإنفتاح وهدوء الطبع…
وإذا اعتـمدنا المقاييس التي استقر عليها العلم في اتجاه مرض الكآبة, لتبيّن لنا أن بعض المظاهر السلوكية الطفولية, هي دليل صادق على وجود خاصية اكتئابية لدى الأطفال الذين يتسمون بالأنانية والعناد والخجل والإنطوائية, وغيرها من المظاهر التي يعتبرها الأهل مظهراً سلوكياً طبيعياً ومألوفاً وربما ضرورياً لدى الأطفال. وتبرير هذه الضرورة أن الطفل يحتاج الى إطلاق ما يتدافع في نفسه من رغبات تزيد من إمكانية تعرّضه للإكتئاب, وينسى البعض أن الطفل في المقابل يحتاج الى من يوقفه بين الحين والآخر عن مطاوعة خياله وذلك بربطه بواقع يستحوذ على اهتمامه, وهذا قطعاً من مسؤولية الأهل, ثم المدرسة.

العلاج ضروري

إن للإكتئاب أعمق الأثر في النفس والسلوك الشخصي, فالمكتئب ينظر الى الحياة نظرة ضبابية, ويُرعبه إحساس داخلي بأن بناء قائماً فيه سوف يتهدم, وفي مثل هذا المناخ النفسي يصبح الإنسان عاجزاً عن التعايش مع أحداث الحياة.
وعلاج مرض الكآبة من الأمور الهامة في الطب ليس لأن المرض واسع الإنتشار, وإنما لأن معاناة المريض فيه مضنية وتؤثر على فعاليته في الحياة وفي الاستقرار, ومن ثم هنالك خطر الإنتحار, وهو من الأمور التي تجعلنا نلحّ في إيجاد العلاج الملائم لحماية المكتئب ودفع الخطر عن المجتمع الإنساني ككل.
وفي هـذا السياق, لا بدّ من التأكيـد أن عـلاج الكآبـة مماثل لعـلاج أي مـرض نفسي أو عقـلي لا يعـتمد على الدواء فقـط مهما كانـت فعالية هذا الدواء, وإنمـا هو عـلاج يشمل النـظر في جميـع العوامـل التي يمـكن لها أن تؤثر في شخصية المكتـئب, من نفسية أو جسميـة أو اجتمـاعية أو ظرفيـة, مع مـحاولـة ملاقـاتها بالطريقـة التي تساعد على التخفـيف من الحـالة المرضـية وأسبابها.

=========================================================================================================================================

 
علم نفس

القلق، أسبابه وأعراضه ونتائجه

إعداد: ناديا متى فخري

القليل منه يدفع الإنسان قدماً والكثير يحدث شرخاً في الشخصية

ليس من السهل تحديد مدى انتشار حالات القلق بين الناس, فهذا المرض ليس منظوراً في أسبابه وأعراضه, وهو حالة ذاتية يصعب فيها تعيين الحدود الفاصلة بين ما هو طبيعي وما هو مرضي. فأحياناً يظهر القلق كعارض نفسي أولي, ويظهر أحياناً أخرى كعارض صحي له مظاهره الدالة على وجود اضطراب في الصحة النفسية. ويمكن القول بشكل عام, أن درجة من القلق تتوفر في كل إنسان طبيعي بين الحين والآخر. وهنالك ملاحظات طبية متوافرة, وتفيد بالتصاعد المستمر للقلق في مجتمعاتنا الحاضرة, ويعود ذلك الى طبيعة الحياة المعاصرة, والى التحوّلات الهائلة في أوجهها المختلفة.
كل إنسان يطمح الى تحقيق أهدافه, وكل فشل يتعرّض له, يصدمه وينمي فيه مشاعر القلق ويجعله مضطرباً خوفاً من الوقوع في الأسوأ, وعلى ذلك ينبغي أن يكون المرء واعياً لحاجاته الذاتية والآنية القائمة فعلاً في واقعه الخارجي, كي يحقق التماس والتواصل الإيجابي المطلوب في الشخصية السويّة والناجحة اجتماعياً.
متى يبدأ القلق في حياة الإنسان؟ وما هي الأسباب التي تؤدي الى الشعور به, وكيف ينظر علم النفس الى حالات القلق؟ وما مدى صحة الاعتقاد السائد بأنه حالة مرضية ­ نفسية ناتجة عن تجارب مؤلمة؟ وما هي سمات الشخصية القلقة؟

النظرية العامة ” للقلق”

القلق, حالة من التحسس الذاتي يدركها الانسان على شكل شعور من الضيق وعدم الارتياح, مع توقّع حدوث الضرر أو السوء, وهي حالة أشبه ما تكون بطبيعتها الشعورية, وفي انفعالات الجسم المصاحبة لها, بحالة الخوف, والفارق الوحيد بينهما, أن مصدر الخوف يكون واضحاً بالنسبة للخائف, بينما مصدر القلق غير واضح ومعلوم بالنسبة للذي يعانيه؛ فقد يشعر الإنسان بالقلق فجأة ومن دون سبب واضح, غير أن هذا الشعور, قطعاً, لا يتوفر في النفس عفواً, وإنما هو حصيلة دافع أساسي يقع بنتيجته الإنسان أسير القلق بشكل غير إرادي وغير واعٍ.
يقول فرويد: من الحكمة أن يتمكّن الإنسان من مواجهة المواقف المثيرة للقلق في نفسه, وأن “الوعي” هو الطرف الأساس في مفردات التفاعل بين امكانيات الفرد والمعطيات التي تبررها الظروف التي يمر بها في مراحل الحياة المقررة.. كما افترض أن القوى اللاواعية في الفرد يمكن اعتبارها مسبباً للقلق, فالإنسان يقع تحت تأثير قوى نفسية ­ عقلية, هي في معظمها غير واعية تؤثر في تفكيره وسلوكه وعاطفته, من دون أن يستطيع تبيّن أصول هذه القوى ولا كيف يقع تحت تأثيرها. كما لفت فرويد الى أن ما يدركه الفرد ويعيه عن نفسه وعن محيطه, لا يقتصر على ما يحويه في مجال الإدراك, وإنما يشمل أيضاً التجارب المادية والمعنوية التي يخضع لها وتعطيه صفة التوازن التي يُعرف بها… ثم إنّ التجارب والأفكار التي يُبعدها الفرد بسبب تعارضها مع مُثُله الفردية والاجتماعية, هي أكثر قوة دافعة ومسيرة لسلوكه.
من جهته, يرى الكسندر (Alexander) أن القلق متعلّق بشكل وثيق بعملية كبت دوافع التعدي في النفس, فكل إنسان يحتفظ في مجال وعيه بالتجارب التي تعتبر مرفوضة وغير مرضي عنها اجتماعياً, ويقول: إن الدافع للتعدي هو من أكثر الدوافع التي ينشأ عنها كل مرض نفسي, ولما كانت الدوافع للتعدي يجب أن تقيّد بالكبت, فإن التهديد بفك هذا القيد يؤدي حتماً, الى القلق في رأيه.
فالقلق هو خوف داخلي, وإحساس الفرد به, ما هو إلا إشارة أو إنذاراً للنفس بأن تجربة ما مكبوتة, قد أصبحت مهيأة للظهور الى حيّز الوعي, مهددة بذلك التكامل النفسي للفرد؛ ووظيفة هذا الإنذار, هو التهيؤ لدرء الخطر وإعداد النفس لمقاومة الحالة الطارئة.

الكبت ومفاعيله

اتجه علماء النفس الى تفسير عملية الكبت (Repression) , على أنها عملية عقلية يلجأ إليها المرء ليُبعد عن إدراكه الواعي, الرغبات والدوافع التي لا يتفق تحقيقها مع القيود التي بُنيت في نفسه على شكل مُثل وتقاليد, تفرض عليه الإلتزام بها. وبإبعاد هذه الرغبات والدوافع أو كبتها في اللاوعي, يضمن الإنسان لنفسه حالة من الاستقرار, ومع ما يُفترض من تلقائية هذه العملية التي توجب كبت الرغبة والتحوّل عنها, من الطبيعي أن يحدث صراع في النفس قد يتعذّر تصريفه غالباً ليكون سبباً لنشوء حالة القلق, ومعظم هذه العمليات تحدث في سن مبكرة.
في البدء, تكون عملية الكبت, عملية واعية تحتمها التجارب التي يتعرض لها الطفل كلما حاول تحقيق رغبة لم تلقَ قبولاً من والديه, ووجد نفسه مضطراً لمقاومة رغبته وكبتها قسراً؛ وبالتدريج تصبح هذه العملية غير واعية وغير إرادية وتتم بشكل تلقائي. فالصراع بين الرغبة والخطر من تحقيقها, يدفع الطفل الى تجنبها وإغفالها أو إبعادها وتبديدها, وهذه العملية هي عملية واعية من عمليات الكبت التي بتأثيرها يندفع تيار القلق في النفس.
إن التجارب المكبوتة, لا يمكن أن تحدد فقط بالدوافع المتضاربة, فهي أيضاً تشمل المشاعر والإنفعالات العاطفية التي نضطر أحياناً الى كبتها. وقد سميت التجربة المكبوتة مع ما اتصل بها من إطار عاطفي بالعقدة النفسية (Complex),  وكبت هذه العقدة بإبعادها عن مجال الوعي وتغييبها لا يُفقدها قوتها المستمدة من طبيعة العوامل التي حركتها في البداية, بل يحجبها مؤقتاً تحت ستار ظاهري من الهدوء.
وعملية الكبت التي تبدأ منذ الطفولة تخدم كمرحلة أولى مصلحة الطفل لأنها تجنّبه العقاب والمواجهة, ومن جهة ثانية, تخدم غرضاً إجتماعياً ينظّم سلوكه ضمن القيم المتعارف عليها في المحيط الذي يعيش فيه.. على أن خطورة هذه العملية تتمثل في كونها قد تصبح قاعدة في حياة الطفل بسبب ما يتعرض له من أساليب النهي وعوامل الحرمان, ما يجعله حذراً ومتشائماً ويتّسم بنفسية مبنية على القلق لا تسمح له بالتصرّف الهادئ حتى في الظروف الطبيعية.
وحول هذه النقطة بالذات, كان لفرويد رأي, جاء فيه: “… ما من شيء يُنسى تماماً مهما كان ضئيلاً أو بعيداً عن حاضرنا, وإن بالإمكان استعادة كل ما مرّ من تجارب سابقة, ثم إن نسيان تجربة نفسية معينة لا يعني انتهاء فعاليتها, فبعض التجارب قد تكون من الشدة بحيث تبقى فى مخزون النفس, وبهذا من الممكن استعادتها في أي وقت بدون تبديل أو تغيير في جوهرها..”, كما أصرّ فرويد بأن عملية الكبت في الطفولة تعتبر نذيراً لولادة الشخصية القلقة.

القلق والحياة النفسية

إن الربط بين الحياة النفسية والقلق ليس بنظرية بقدر ما هو مبدأ من المبادئ المسلّم بها في مفهوم علم النفس, ويقول فرويد: كما النفس مفتاح الشخصية, فالقلق هو المحرّك لكل انفعال نفسي, وهو إذا تمكّن من النفس أحدث فيها شرخاً عميقاً بتأثيره يختلّ توازن الإنسان وتضطرب شخصيته.
وقد لاقت نظريته هذه قبولاً عند الكثير من علماء النفس, الذين اعتبروا القلق, حالة مكتسبة يجب مقاومتها والتغلّب عليها لفعالية تأثيرها على حياتنا اليومية.. فكل صراع نفسي نعيشه ينبع من القلق, وكل شخصية مترددة تقع تحت سيطرة نفس قلقة.
إن كل تصرف يقوم به المرء في الظروف الطبيعية هو تعبير عن التوازن القائم بين إمكانياته على تحمل التجارب وبين قوة ووطأة هذه التجارب, فلكل شخص قدرة معينة, والتجربة التي تفرض على صاحبها بذل طاقة تزيد عن حدود طاقته, من شأنها أن تبعث فيه القلق, ولعل في هذا الافتراض العلمي تأكيداً على أنه كلما كان الإنسان قادراً على الإحاطة بالتجارب الواردة والتفاعل مع ما يتصل بها من انفعالات, كلما كانت حياته النفسية خالية من القلق وعقده.
وقد أجمع البحّاثة النفسيون, على أن الصراع النفسي يقوم في الإنسان منذ الطفولة, حيث يتعلّم الطفل بالتوجيه, أصول التصرّف والتفكير, وبالتدريج تنمو لديه القوى العاطفية ­ الوجدانية, وتكون له بمثابة الضمير. وعندما تنضج الشخصية, فإنه في حال عجز عن التفاعل مع الظروف ووجد نفسه أمام تحديات لا تتحملها إمكانياته, فقد يصبح أسير القلق.
وحين يطغى القلق على التوازن النفسي للفرد, يؤثر في سلوكه وفي استعداداته على تصريف أموره بهدوء ومرونة, لتصبح شخصيته مضطربة ­ مترددة, ويدخل القلق في النمط الإعتيادي لحياته. ولكن حين يواجه الإنسان مواقف معيّنة ومرهقة, ويظل محتفظاً باستقراره النفسي, يكون من السهل عليه كبت صراعاته الداخلية, والتأقلم مع الواقع والتحسس بالطمأنينة والثقة بالنفس التي تعطيه الإنطباع بأنه كفوء لتحمل المسؤولية الإجتماعية في جميع أدوار الحياة.

القلق والطفولة

إن القلق في الطفولة والحداثة أكثر بساطة مما هو عليه في الكبر, كما أن ارتباط القلق بالمصدر في عمر الطفولة هو أكثر وضوحاً منه في ما بعد. ويعود ذلك الى خلو تجربة الطفل من الانفعالات العاطفية السابقة, وبذلك يأتي الانفعال محدوداً ومباشراً ومبسّطاً. ومع النمو, تزداد التجارب وتصبح لديه انفعالات عاطفية سابقة تترك أثرها في حياته النفسية؛ ولهذا يصعب ربط القلق في الكبر بتجربة معينة, من دون النظر في التجارب التي مرّ بها الإنسان في طفولته. الى ذلك فإن الانفعال الذي يحدث في مرحلة ما بعـد الطفولة والحداثة, يصبح أكثر تعقيداً بسبب تأثير الانفعالات العاطفية السابقة لأنه يستغلها. وعلى ذلك كلما كانت حياة الإنسان مليئة بالتجارب, صعب تعيين المصدر الحقيقي لقلقه, وكلّما قلّت تجربته وجاءت انفعالاته على وتيرة واحـدة, سهل ربطها بالمصدر الذي يثيرها..
مصادر القلق في حياة الطفل متعددة, ومن إمعان النظر في هذه المصادر, نجد أن تجربة الطفل تضع حجر الأساس لكل تجربة في المستقبل, ولهذا سميّت بالمصادر الأولية, أما ما يأتي بعد هذه المرحلة من العمر فيعتبر مصادر ثانوية.. وقد دلّت الاجتهادات الحثيثة في هذا المجال الى أن الطفل يتعرض الى مواقف محبطة, تفرض عليه التحسس بالقلق, منها مثلاً: العجز, الفراق والحرمان والفشل…

العجز والاتكالية

يولد الطفل عاجزاً يعتمد على ما يفوز به من حب ورعاية من والديه, وفي فترة النمو يكون اتكالياً, الى أن يصبح قادراً على الاعتماد الذاتي على نفسه. ومع الوقت نجد أن التجارب التي تعزّز شعوره بالعجز والحاجة للغير كثيرة, وتقترن غالباً بالأسباب الداعية الى القلق.. ومع أن هنالك أنماطاً ثابتة من انفعالات القلق يشترك بها الناس في تفاعلهم مع محيطهم, إلا أن هنالك فروقاً فردية بين فرد وآخر في بعض انفعالاتهم المستمدة من معاناتهم الداخلية ومن التجربة الحياتية. الى ذلك, يبقى أن نشير الى أن انفعالات القلق التي يكتسبها الطفل من تجاربه تكون الحقلة الأولى من سلسلة انفعالاته في الكبر, عندما يتعرض الى مواقف مماثلة تشعره بالعجز والقصور, وإذا كان في تعـريض الطفـل الى تجارب ترسّب في نفسـه الشعـور بالعجـز, وتكون مسبباً لبداية نشوء بوادر القلق في محيطه النفسي. فإن الرقابة الزائدة والمساندة المستمرة للطفل تحرمه من إمكانية التعوّد على مواجهة المواقف واستثمار طاقاته بشكل بنّآء وخلاّق, وهذا الحرمان يجعل الطفل في وضع نفسي غير متكافئ, وأكثر تهيئة للوقوع في مصيدة القلق.

الفراق والحرمان والفشل

إن تأثير الفراق والحرمان على نفسية الطفل عميق جداً, فالفراق تجربة قاسية والشعور بالحرمان يتحدى سلامته النفسية, وغالباً يبدأ ظهور القلق بسبب تجربة مؤلمة من الفراق والحرمان في حياة الطفل.. ولكل حالة سبب, فقد يكون الفراق مرده الى طلاق الأبوين, وهذا الوضع يعرّض الطفل الى ضغوطات نفسية حادة, يكتسب منها القلق والخوف من الفشل في مواجهة الظروف الجديدة.. لأن الطلاق معناه حرمان الطفل من العاطفة الأبوية, وانتقاله الى أجواء أسرية أخرى, وفي مثل هذه الظروف إمّا أن يبقى الطفل في حضانة مربية يبحث في أحضانها عن حنان أمه المفقود والذي يعطيه الدعم للتأقلم مع الظروف غير الاعتيادية, وإما أن تفرض عليه الظروف أن يبقى في رعاية زوج الأم أو زوجة الأب, وهو هنا, وإن فاز برعاية جيدة, إلا أنه لا يشعر بالاستقرار لافتقاده لرعاية أبويه الحقيقيين وحبّهما, وهذا النقص في الحالتين يثير فيه القلق والمخاوف؛ وكلما كانت الصلة متينة بين الولد وأبويه ومحيطه كلما كانت تجربة الفراق أشد وأقسى.
وللفشـل أيضاً دور كبير في ترسيخ القلـق في النفس.. فالفشل في الفوز بحاجة ملحّة في نفس الطفل, هو تماماً كالفـشل في الدراسـة, أو الفشـل في إنجـاز نشـاط يحتاج الى الذكاء والإبداع..

الشخصية القلقة

هنالك التزام وترابط بين الشخصية القلقة, وبين انفعال القلق, وهذا يتضح من أن الحالات المرضية القلقة تحدث أكثر ما تحدث لأولئك الذين اتصفوا من صغرهم بشخصية قلقة. وأهم مظاهر الشخصية القلقة هي, زيادة الانتباه, والحذر, والتوقّع والخوف من النتائج, وأخذ الأمور باهتمام بالغ سواء ما مضى منها وما هو قائم الآن, أو ما هو متوقّع منها في المستقبل. وهدف صاحب الشخصية القلقة أن يصل دائماً الى مرتبة أعلى, ويرتبط ذلك من أن يحدث في حياته ما لا يمكّنه من ذلك, كالفشل والمرض, والحاجة المادية. وذو الشخصية القلقة يتصف عادة بضمير حي, وهو حريص وأمين ومخلص في عمله, ويتجنّب ما من شأنه أن يخلّ بعلاقاته مع غيره, أو الخروج من جادّة القواعد والنواميس الاجتماعية, كما أنه يتفادى كل ما من شأنه أن يقلل من ثقته بنفسه والمجتمع الذي يعيش فيه, وخاصة في المواقف التي تهدد التقدير والاحترام له ولمجتمعه.

القلق.. مصدر إيجابي

“إن القـلق حالـة إيجابية” عندما يكون في حـدوده الطبيـعية, حيث أجمع البحّاثة النفسيون, على أنه يخدم أغراضاً هامة في حياة الإنسان, فرداً أو عائلة أو مجتمعاً. فتحسّس الإنسان بشيء من القـلق ضرورة لازمة, فهو يمكّنه من الانتباه لخطر قبل حدوثه. فقلق الإنسان على صحته يدفعه للحرص على سلامتها, وقلقه على مستقبله يجعله حريصاً على عمله والوفاء له, وقلقه على وطنه يجعله أميناً على الإخلاص له. والقلق هو الدافع الذي يوجّه الإنسان لتحمل المسؤولية العائلية.
ومن الصعب أن نتصوّر عالمنا وهو خال من أي أثر للقلق, فلو حصل ذلك, لعاش الإنسان ليومه, لا يتقيّد بمسؤولية أو طموح, أو هدف.

===========================================================================================================

محاضرات ..
فــــي علم النفس المرضي
للأستاذ الدكتور / حسام الدين عزب
لمجموعة طلبة الدكتواره بقسم الصحة النفسية,جامعة عين شمس

علم النفس المرضي psychopathology :
أحد فروع علم النفس العام يعتني بدراسة الأمراض والاضطرابات النفسية وهو دراسة علمية تزيل الغموض عن أسرار هذه الأمراض ومناهج البحث وقضية التشخيص Diagnosis وأساليب الكشف عن هذه الاضطرابات من ملاحظة ومقابلة .

الفصل الأول

تأصيل تاريخي للتصورات الأساسية

عرف المرض النفسي أو العقلي منذ قديم الزمان فقد وردت إشارات في الروايات المصرية وغيرها من شعر وأساطير الإغريق .
وقد قدم هيبوقراط تصنيفه للأمزجة متأثرا في ذلك بأفكار إمبيدوكليس ثم تابعه جالينوس والحال نفسه لدى علماء المسلمين أمثال : الرازي وابن سينا وكانوا أول من شيد المستشفيات .
أما في العصور الوسطى فلقد كان يعذب المرض النفسيين والتنكيل حتى قيام الثورة الفرنسية تقريبا حيث تغير الحال إلى حال أفضل من المعاملة الإنسانية لهؤلاء المرضى وبدأت ترشح أسس علمية لدراسة الأمراض النفسية شارك فيها بينل وموريل وكالبوم , ومن ثم بدأت مدرسة التحليل النفسي في الظهور والاتساع ومع الحرب العالمية الثانية بدأت تباشير مظهراُ جديداً لدراسة الأمراض النفسية حيث بدأت الحاجة ملحة في إنشاء المراكز الخاصة لعلاج المصابين .
ويمكن القول أن جهود المهتمين بالأمراض النفسية قد انصرفت في عدة اتجاهات منها : تعريف وتحديد المقصود بالسوء و اللاسواء ووضعت وتصنيف الأعراض المرضية والبحث عن الأسباب العلاجية المفسرة للاضطرابات النفسية وسبل علاجها .

مفهوم المرض و السواء ( المشكلة ):

مفاهيم السواء والشذوذ ( اللاسواء ) وتعريفاتهما قد أحاط بها جدل ونقاش من قبل العلماء المتخصصين .
و السواء ( الصحة النفسية) ليس مجرد انعدام المرض أو الخلو من أعراضه , بل أنه القدرة على الاحتفاظ بحالة مزاجية معتدلة والتوافق مع نفسه ومع بيئته .
أن الفرد الصحيح نفسياً تماماً شخصية مثالية نادرة الوجود وخصائص السواء قلما تتواجد لدى الفرد الواحد في الوقت الواحد .
وتواجه العاملين في الصحة النفسية صعوبة في تعريف السلوك غير السوي إلى جانب الصعوبة في تعريف الشذوذ( اللاسواء ) من قطر إلى قطر ومن ثقافة إلى ثقافة أخرى .
كما أن الخلاف حول المقومات الأساسية لتعريف اللاسواء أدى إلى اختلاف المعايير التي تم الاستناد إليها عند صياغة التعريف .

مفهوم المرض والسوء ( الحل ):

نظراً لعدم وجود اختبارات كيميائية الحيوية أو النفسية المباشرة كما يرى بيوتشر فإنه يبقى تعريف اللاسواء في صورة مصطلحات سلوكية واجتماعية وقد فعل ذلك سكوت حين عرف السواء واللاسواء في ضوء عدة محطات , منها القدرة العامة على المواءمة والتكيف والقيام بالأدوار الاجتماعية , أما محطات اللاسواء فهي :. التعرض لعلاج نفسي , التوافق اللاسوي ( سوء التوافق ) والتشخيص الطبي النفسي وتقرير الفرد عن نفسه أنه مريض ويحتاج للعلاج , ونتائج تطبيق الاختبارات النفسية .

معايير ومحطات السلوك اللاسواى

1- المعيار الإحصائي : إحصائياً الشذوذ هو ما ينحرف كمياً عن المتوسط ( المعتاد) ويحدث سلوك الشاذ عادة بشكل غير متكرر بعكس السلوك السوي ولأن المعيار الإحصائي لا يعطينا تحديداً دقيقاً للسلوكيات غير المتكررة والتي هي الاهتمام الحقيقي لعلم النفس المرض فإنه لا يمكن الاستفادة منه إلا إذا ساندته معايير أخرى .

2- المعيار الاجتماعي الثقافي : لقد أظهرت الدراسات الميدانية في الأمراض النفسية أن ما تعتبره بعض المجتمعات مرضاً يستحق العلاج ينظر إليه وفي مكان أخر على أنه نوع من الانحراف يجب استئصاله من المجتمع أو عزل صاحبه وستجد في مجتمع ثالث أنهم يتقبلون هذه السلوك كظاهرة عادية.
ويعتبر انتهاك وتجاهل المعايير الاجتماعية والثقافية من أهم المكونات في تعريف السلوك الشاذ ومن ثم فالشذوذ من وجهة نظر ثقافية يركز على الانحراف , بمعنى الدرجة التي ينحرف بها الفرد عن المعايير الثقافية .
ونظراً لما تعرض لها هذا المعيار من نقذ فأنه لا يصلح بمفرده ليكون أساساً . لتعريف وتحديد السلوك غير السوي ( أو المرض النفسي ).

3- التعاسة الشخصية : احد المداخل لتعريف السلوك الشاذ يركز على خبرة الشخص بالألم أو الكرب أو التعاسة الشخصية حيث يمكن القول أن السلوك الشاذ يمكن أن يعرف في ضوء عدم الراحة الذاتية التي تقود الشخص للبحث عن المساعدة من قبل المتخصصين في الصحة النفسية , بمعنى أخر فإن سلوك الأفراد يكون شاذاً إذا كان يولد كرباً عظيماً ويكون مصدر عذاب لهم ولأنه تعرض للعديد من الانتقاد فهو لا يصلح .

4- الاختلال الوظيفي الضار : أحد المناحي في تعريف السلوك الشاذ ( أو الاضطراب النفسي ) والذي يرى أن الاضطراب النفسي يحدد في ضوء الاختلال الوظيفي الضار ولأن العلاقة بين الاختلال الجانب المعرفية والإدراكية والانفعالية والاضطراب النفسي غير واضحة إلى جانب أنه يعيدنا إلى قضية المعايير الثقافية للفرد رغم نسبة هذه المعايير وتباينها من مكان لآخر ومن زمان لآخر .

5- معيار سوء التوافق : فعادة إذا كان السلوك لا ينهض بوظائف الفرد كالحصول على وظيفة والتعامل مع الأصدقاء وقبلها تلبية مطالبه الجانبية فإنه يعد شاذاً أو مضطرباً . ولأن هذا المعيار لا ينظر إلى المواقف التي لا يلائمها السلوك لأن هذه المواقف والتكيف معها قد يكون مرتبطاً بعوامل معينة كالجنس والعمر . فإنه لا يصلح .

6- المعيار الإكلينيكي : يأخذ صورة متعددة وأسماء مختلفة فهو تارة يحدد اللاسواء في ضوء المفاهيم الطبية والبيولوجية , وينظر إلى اللاسواء في ضوء فكرة البقاء , وتارة يركز على الأعراض المرضية أو تجمعات ( زملات ) هذه الأعراض وتارة ثالثة يرى أن الشخص الشاذ هو الشخص الذي يحصل على بطاقة تشخيصية , غير أن هذا المعيار لم يسلم من النقد وخاصة من بعض علماء النفس أمثال أيزنك كما أن محل طلب العلاج ليس جامعاً مانعاً.

7- معيار عدم التوقع : إضافة دافيسون , فكثير من صور السلوك الشاذ عبارة عن استجابات غير متوقعة للضغوط البيئية , يفترض على هذا المعيار على أساس أن هناك استجابات سوية مقبولة تكون أحياناً غير متوقعة .

  • الخلاصة :لا يوجد محل واحد يخلو من العيوب أو يعلو على النقد أو يصلح بمفرده لحسم الخلاف حول المقصود بالسوي و اللاسوي ومن هنا تبرز الحاجة إلى منظور تكاملي .

وقد أشار ماهر وماهر إلى أربع فئات أساسية تحدد.السلوكيات اللاسوية وهي :. سلوك يسبب الضرر واتصال غير فعال واستجابات انفعالية غير ملائمة والسلوك.المنحرف غير المبرر.

الفصل الثاني

الاضطرابات النفسية بين التصنيف والتفسير

أولاً : تصنيف الاضطرابات النفسية :.
دخل مفهوم التشخيص Diagnosis إلى ميدان الإكلينيكي من علم الطب ويقصد به فحص الأعراض المرضية واستنتاج الأسباب , ثم نسبها إلى مرض معين . فالتشخيص في الميدان الطبي يعني التصنيف classification .
أما التشخيص في علم النفس الإكلينيكي والطب النفسي يعني تقويم خصائص الفرد من حيث قدراته , وسماته , وأعراضه المرضية , مبيناً الأسباب المباشرة للاضطراب .
ويشير التشخيص في علم النفس المرضي إلى تصنيف المعلومات المتعلقة بالحالة السلوكية والانفعالية للشخص والتحديد التالي لذلك ( بالاسم / البطاقة )

لمحة تاريخية عن تصنيف الاضطرابات النفسية:

فيما مضى كان يعتقد أن جميع الأمراض الجسمية والعقلية تحدث بواسطة حركة الأرواح وتحتوي التوراة على عدد من الإشارات إلى ما يمكن أن يسمى الآن بمرض عقلي ,وفي القرن 21 ق. م عوقب سول Saulبواسطة الرب بروح شريرة فأصبح مهووس بخلع ملابسه .
وهكذا نجد انه إذا تتبعنا تاريخياً تصنيف الاضطرابات النفسية نجد أنه بدأ منذ الاعتقاد بأن الجان والعفاريت تسكن جسم الإنسان المصاب وتطور الحال بظهور العديد من الأنظمة التصنيفية وأكثرهم استخداماً :
1- دليل التشخيص الإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM) والصادر عن رابطة الأطباء النفسيين الأمريكية (APA) أخر طبقة صدرت عام 1994.
2- التصنيف الدولي للأمراض (ICD) والصادر من منظمة الصحة العالمية (WHO) أخر طبقة منه هي الطبقة العاشرة (ICD-10) التي صدرت عام 1992.

مشكلة تصنيف الاضطرابات العقلية :

تعرضت أنظمة تصنيف الاضطرابات لمجموعة من الانتقادات منها:.
كثير من الأعراض التي يمكن تشخيصها من كتب تصنيفي قد لا تعتبر في الحقيقة جوهرية أو شاذة إذا لم تتعارض مع أداء الفرد , كذلك تتعارض مع ما يعرف بالفوارق الفردية كما أن لها تأثيرات سلبية في تقدير المرض لأنفسهم وتقدير الآخرين لهم , ومع هذا لا يمكن الاستغناء عنها .

ثانياً: النماذج المفسرة للاضطرابات السلوكية:

1- النماذج الطبية البيولوجية :
والتي ترجع العديد من الاضطرابات السيكاترية إلى اختلالات بيو كيميائية في المخ وتحتاج إلى علاج بالعقاقير إلى جانب العلاج النفسي .

2- النماذج السيكودينامية :
تعد نظرية التحليل النفسي الكلاسيكية الأساس السيكودينامي كما طوره فرويد في أوائل القرن العشرين , ولقد أكد فرويد على مبدأ الحتمية النفسية والذي يشير إلى أن الأفراد ليسو أحراراً في اختبار أنماط سلوكهم , بالإضافة إلى أن أنماط السلوك السوية أو الشاذة تتحدد أو تنتج من القوى النفسية الداخلية التي أسماها فرويد ( الهو- الأنا – الأنا الأعلى ) فهذه القوى تتفاعل في تنفيذ الأنشطة الشعورية واللاشعورية , فالصراعات يجب أن يتم حلها بطريقة ناجحة في نطاق الوعي حتى لا تؤدي إلى اضطرابات السلوك .

3- النموذج السلوكي :
تؤكد النماذج السلوكية على أن كلاَ من أنماط السلوك السوية والشاذة يتم اكتسابها من خلال التعلم .
وبالرغم من أن النماذج السلوكية ليست مفيدة تفسيرياً إلا أن مبادئ التعلم تظل مؤثرة في تفسير بعض الاضطرابات العقلية من خلال مبادئ الاشتراط الكلاسيكي والإجرائي .

4- النماذج المعرفية :
يفترض أنصار هذا النماذج أن الاضطرابات ترجع إلى الطريقة التي يدرك بها الفرد الحدث وتفسيره من خلال خبراته وأفكاره .
كما يرى أنصار النماذج المعرفية أن الاضطراب السلوكي ( السلوك الشاذ ) هو نمط من الأفكار الخاطئة غير المنطقية.

5- النماذج الأسرية :
هذا النموذج يرجع سبب الإصابة بالأمراض النفسية إلى وجود أسرة مضطربة تسوء العلاقات بين أفرادها وتوجد ثلاثة أنماط أسرية تسهم في الإصابة بالفصام
1- الأم التي تعامل أطفالها بوسائل متعارضة .
2- الصراع بين الزوجين وضحيته الطفل أو قد يحاول أحدهما جعله حليفاَ له
3- شعور أفراد أسرة المصاب بالمرض العقلي بالضلالات إزاء ما يقوم به من تصرفات تثير الشكوك .
6- النماذج الإنسانية الوجودية :
هذا النموذج يعزى ظهور الاضطراب النفسي إلى الفشل في النمو والتطور لأن المؤكد هو أن الناس يمتلكون القوة البشرية الدافعة للنمو والقدرة على أداء كامل .

7- النماذج الثقافية الاجتماعية :
يضع هذا النموذج تأكيداً كبيراً على الأسباب التي تكمن وراء تسمية أنماط سلوكية معينة بأنها مضطربة وأن هناك عواملاً ثقافية فعالة لكل مجتمع تحدد السبب في أنماط سلوكية معينة تكون سوية وأخرى غير سوية .
ويرى أنصار المنظور الثقافي الاجتماعي أن ما يمكن اعتباره غير سوي في مجتمع معين قد يكون سوياً في مجتمع آخر , ويقترح أنصار هذا النموذج مجموعة من الأنماط السلوكية الآتي: (انحراف الشخص عن توقعات مجتمعه) وإزعاج الآخرين لدرجة تجعلهم يرغبون في تغييره والآتيان بسلوك غير منطقي .

الفصل الثالث

طرق البحث في علم النفس المرضي

يحاول الباحثون الإكلينيكيون أن يكتشفوا قوانين أو مبادئ عامة خاصة بالأداء النفسي شأنهم في ذلك شأن الآخرين في مجالات أخرى.
ويعتمدون أساساً على ثلاثة طرق من الفحص هي :
دراسة الحالة / الطريقة الارتباطية / الطريقة التجريبية .

أولاً : دراسة الحالة CASE STUDY:

هي وصف مفصل وتفسيري في الغالب لشخص واحد . إنها تصف خلفية الشخص وظروفه الحالية وأعراضه . كما أنها قد تصف أيضاً تطبيق ونتائج علاج معين, وقد تفحص كيفية تطور وتفاقم مشكلات الشخص .

قيمة دراسة الحالة:
يمكن تلخيص قيمة دراسة في الحالة في النقاط التالية :.
1- أنها تصلح كمصدر للأفكار عن السلوك وتفسح الطريقة للاكتشاف .
2- أنها تقدم مساندة قريبة للنظرية وعلى النقيض فإن دراسات الحالات قد تصلح لتحدي مزاعم نظرية ( حالة هانز , عام 1909 )
3- أنها تصلح كمصدر أفكار للتقنيات العلاجية الجديدة أو كأمثلة لتطبيقات فريدة لتقنيات موجودة .
4- أنها تقدم فرصاً لدراسة مشكلات غير عادية لا تحدث بما يكفي للسماح بمزيد من الملاحظات والمقارنات العامة والسنوات عديدة.

القيود الخاصة بدراسة الحالة :.
ويمكن تلخصيها في النقاط التالية :.
1- المستخدمون لدراسة الحالة ينحازون بشكل شخصي للنتائج بحالاتهم وتعتبر تلك التحيزات ذاتية وغير منهجية ومقصودة يشكل واضح .
2- لا تقدم دليلاً موضوعيا ً بأن اختلال العميل قد نتج في الحقيقة عن طريق الإحداث
3- التعاميم التي تقدمها تعتبر قليلة .

ثانياً: الطريقة الارتباطية
الارتباط correlation هو الدرجة التي تتنوع إليها الأحداث والسمات في ارتباط كل منها بالأخرى والطريقة الارتباطية هي إجراء بحث يستخدم لتحديد الارتباط بين متغيرين.

اتجاه الارتباط :
يكون الاتجاه ايجابياً حينما تتزايد وتتناقض المتغيران معاً, ويكون الاتجاه سلبياً كلما زادت قيمة فتغير ما أدى ذلك إلى نقصان قيمة المتغير الآخر .

مدى الارتباط:
أي إلى أي مدى يتطابق المتغيران؟ هل يتغير متغير واحد دائماً كانعكاس مباشر للمتغير الآخر؟ أو هل علاقتهما أقل دقة؟ ولتقدير هذا البعد للارتباط ,و يحدد ذلك مواقع نقط البيانات من خط أفضل مطابقة فحين تقع جميعها قريبة جداً من خط أفضل مطابقة فانه يعطي الباحثين القدرة على التنبؤ بدرجة كل شخص على متغير معين بدرجة عالية من الثقة إذا ما عرفوا إذا ما عرفوا درجة المتغير الآخر .
وعلى النقيض من ذلك نجد أن الارتباط الذي توجد فيه نقط البيانات بشكل مبعثر حول الخط المتجه إلى أعلى ففي هذه الحالة لا يستطيع الباحثون التنبؤ بمقدار دقة درجة شخص ما على متغير معين من الدرجة التي حصل عليها في المتغير الآخر .

معامل الارتباط :.
إن اتجاه ومدى الارتباط يمكن أن يتم حسابه رقمياً ويعبر عنه بواسطة اصطلاح إحصائي يسمى معامل الارتباط ورمــــــزه
( ر) وسمي معامل الارتباط بيرسون نسبـــــــة المبتـــــــكرة
( كارل بيرسون ) .
ومعامل الارتباط يمكن أن يتراوح بين ( +1,00) الذي يعبر عن ارتباط موجب كامل إلى (-1,00) الذي يمثل ارتباطاً سالباً كاملاً بين المتغيرين
وعلاقة المعامل ( + أو- ) تدل على الاتجاه الخاص بالارتباط , أما الرقم فيمثل مدى أو حجم الارتباط وقيمة ( ر ) البالغة (0,00)تعكس ارتباطاً صفرياً , أو عدم وجود علاقة بين المتغيرين .

التحليل الإحصائي لبيانات الارتباط:.
يجب على العلماء أن يقرروا ما إذا كان يعكس الارتباط بين المتغيرات لمجوعة خاصة من الأفراد إرتباطاً جوهرياُ بين المتغيرات في المجتمع العام الذي تم سحب العينة منه أم لا .
وقد حدد علماء الإحصاء النفسي بشكل متفق عليه نقطة قاطعة خاصة لمساعدتهم على اتخاذ هذا القرار .فإذا ما وجد أقل من احتمال 5% فهذا يحدد أن نسبة الشك 5% والثقة 95% من نتيجة الارتباط , وتكون هذه النتيجة دالة إحصائيا .

مواطن القوة والضعف في الطريقة الارتباطية :.
الطريقة الارتباطية لها مميزات معينة تفوق دراسة الحالة إذ يمكنهم ملاحظة أشخاصاً عديدين , ويطبقون تحليلات إحصائية فهو منهم أفضل لتعميم نتائجهم على الناس في المتغيرات التي درسوها , أي أن الدراسة الارتباطية تعرض صدقاً خارجياً عن دراسة الحالة .
والدراسات الارتباطية لا تختلف عن دراسة الحالة إذ ينقصها الصدق الداخلي .

ثالثاً : الطريقة التجريدية The Experimental me trod
التجربة :هي إجراء بحثي يعالج بها موقف ويلاحظ تأثير المعالجة . والهدف من أي تجربة هو عزل وتحديد السبب في تأثير معين . وإذا لم نستطيع فصل السبب الحقيقي أو الأساسي من سلسة الأسباب الممكنة الأخرى.

المجموعة الضابطة :
المجموعة الضابطة هي:. مجموعة من الأشخاص الذين يتم تعريضهم للمتغير المستقل الذي يتم فحصه , ولكنها تكون مماثلة للمجموعة التجريبية في كل شيء باستثناء عدم تعرضها للمتغير المستقل الذي يتعرض له أفراد المجموعة التجريبية , وبالمقارنة بين مجموعتين , يمكن أن يحدد المجرب تأثير المتغير المستقل على نحو أفضل.

التخصيص العشوائي :
تعتبر طريقة اختبار أعضاء المجموعتين هامة باعتبارها البرتوكول التجريبي , فالفروق المنهجية بينهم في المجموعتين قد تدحض النتيجة كذلك .

التصميم الأعمى :
يمثل التصميم التجريبي الأعمى مشكلة أخرى متضمنة في المتغيرات الدخيلة , فالأشخاص قد يتحيزون إلى نتائج تجربة كمحاولة لجعل المجرب مسروراً , وتوجد طريقة مستقيمة لمنع التأثيرات الكامنة لتحيز الأشخاص في التجربة .

التحليل الإحصائي للبيانات التجريبية :
لابد أن تحلل إحصائيا كالدراسات الارتباطية , وفي أي تجربة , والمجرب يجب أن يجري تحليلاً إحصائياً للبيانات التجريبية ويحدد إلى أي مدى يرجع نموذج التغيرات في المتغير التابع إلى الصدفة فإذا كانت الإمكانية أقل من 50% فإن تلك الفروق الملاحظة تعتبر دالة إحصائياً , وقد يستنتج المجرب ببعض الثقة أنها ترجع إلى المتغير المستقل .

التغيرات في التصميم التجريبي
لأن التجارب النفسية يجب أن تتضمن عيناتها البشر , فإن اعتبارات خلقية وعملية عديدة تحد من أنواع المعالجات التي يمكن إجراؤها , ولهذه الأسباب فإن المجربين الإكلينيكيين غالباً ما يقللون من التغيرات المعيبة للتصميمات التجريبية التفاؤلية لتحديد علاقات السبب والنتيجة , ومعظمها هي إجراء التصميم شبه تجريبي , والتجربة الطبيعية , والتجربة المشابهة , وتجربة الشخص المنفرد .

التصميم شبه التجريبي:.
هو تجارب لا يخصص فيها الأشخاص بواسطة الفاحصين على نحو عشوائي لمجموعة تجريبية وأخرى ضابطة , ولكن يستخدمون بدلاً من ذلك مجموعة توجد من قبل في العالم بصفة عامة .

التجربة الطبيعية :
هي تلك التي تعالج فيها الطبيعة فضلاً عن المجرب متغيراً مستقلاً , ويلاحظ المجرب منهجياً النتائج . هذا هو التصميم الذي يجب أن يستخدم الدراسة النتائج النفسية لأحداث غير طبيعية وغير متنبئ بها , مثل الزلازل وغيرها , ولأن الأشخاص في هذه الدراسات مختارين بالنسبة للمجموعة التجريبية بحادثة قدرية فإن التجارب الطبيعية هي في الواقع نوع من شبيه التجربة .

نظير التجربة :
يستحثون المجربون الأفراد في المعمل على التصرف بطرق يعتقدون أنها مماثلة من الناحية الأدائية للسلوك الشاذ في الحياة الواقعية ثم يجرون بعد ذلك تجارب على هذه الصورة المتشابهة التي خلقت معملياً للشذوذ على أمل إلقاء الضوء على النظير المشابه للحياة الواقعية .
وبالرغم من أن مثل هذه الدراسات تمكن الباحثين من الضبط والمعالجة لتلك المتغيرات التي يرونها في المعمل , إلا أن الباحثين لا يمكنهم التأكد من أنها نفسها هي مثل الاضطرابات النفسية .

الفصل الرابع

طبيعة واضطرابات الطفولة

يمثل مجال اضطرابات الطفولة مشكلة هامة في العلوم النفسية المهتمة بدراسة السلوك غير السوي لدى الأطفال مثل علم النفس المرضي وعلم النفس الإكلينيكي والطب النفسي , كونها تختلف عن اضطرابات الراشدين لعدة أسباب كما أن بعضها يرجع إلى العجز التطوري.

المرضية المشتركة في الطفولة :-
يشيع بدرجة كبيرة في مجال الطب النفسي للأطفال ما يسمى بالمرضية المختلفة Comoridity , ولقد تم تجاهل المرضية المختلطة في الطفولة بسببين وهما :.
1- أن دراسة الحالة ( x ) قد تؤدي إلى ضرر للحالة (y ) ذات مرضية مختلطة متجاهلة .

المرضية المختلطة في أنظمة التصنيف الطبنفسية :-

1- التقسيم العالمي للأمراض ( ICD ) ,
وقد ظهرت أخر طبعة له عام 1989م والمعروفة بالتقسيم العاشر للأمراض (ICD .10 ) وهي من إصدار هيئة الصحة العالمية والتي تسمح بتعدد التشخيصات إلا أنها تميل إلى ذي النمط الأصلي أو الأولى والتباع النموذج الطبي طويل المدى , وتضع في الحسبان أن المريض قد يصاب بأكثر من مرض وتظهر إشكالية التحقق من العرض هل هو من طبيعة المرض أم سمه من سمات الشخصية ويوجه نقد للهيئة في عدم توفر البيانات لتحديد متى؟ وكيف يعطى أسبقية لتشخيص اضطراب قبل الآخر .

2- دليل التشخيص الإحصائي (DSM )
أصدر دليل التشخيص الإحصائي الجمعية الأمريكية للطب النفسي , وقد كانت آخر طبعاته هي الطبعة الرابعة ( DSM –IV-1994) وفي النسخة الثالثة على هيراركيات استثنائية والنسخة الثالثة المراجعة خلف من الأعراض المختلطة ولكنها تشمل خليطاً محيراً من التناقضات التي تسمح أو لا تسمح بها الامتزاجات .

المظاهر العامة والخاصة للمرض النفسي في الطفولة:

وجد أندرسون وزملاؤه 1987 أن من بين مجموعة أطفال المجتمع العام الذين حققوا المعايير بالنسبة لأحد التشخيصات في دليل التشخيص الإحصائي الثالث المراجع قد حقق أكثر من نضعهم معايير تشخيص الاضطراب آخر على الأقل وبالمثل .
كما اقترح إنجرام وكاندل نموذجاً قد يكون نافعاً بالنسبة لتصور مظاهر متنوعة من المرض النفسي .
ونستنتج مما سبق أنه قد يكون من المهم جداً تحديد ما إذا كانت العوامل المشتركة أو عامة وما إذا كانت نوعية , حيث أن هذا التحديد قد يوحى بكيفية الاتصال السببي لهذه العوامل بالمرض النفسي فضلا عن أنه من المهم تحديد حدود زملات الأعراض بدقة , وتحديد ما إذا كانت المظاهر تميز بين زملات الأعراض على مستوى نطاق ضيق ونطاق واسع , وذلك لأسباب عملية تتضمن التقويم والعلاج النفسي .

الاضطرابات الارتقائية ( التطورية ):

في مجال الاضطرابات الارتقائية ظهرت تغيرات علمية واجتماعية , ولقد بزغت تعديلات في تعريف الاضطرابات الارتقائية والتغيرات الأساسية في الاستجابات المجتمعية للأطفال والراشدين ذوي الإعاقات .

تعريف الصعوبة الارتقائية :

كان لتصنيف الصعوبة الارتقائية والتسميات التشخيصية تأثيرات على الأنظمة التشخيصية وعلى الدراسة والبرامج العلاجية . ولها تأثيرات على الصعيد المالي في الولايات , وقد تم تحديد التعريف المبكر للصعوبة الارتقائية في القانون العام 517-91 بواسطة الكونجرس في عام 1970 .
وقد جمع التعريف الأولى للصعوبة الارتقائية ثلاثة اضطرابات ارتقائية هي التخلف العقلي والشلل المخي والصرع وقد نظر إلى هذه الحالات الثلاث كأسباب رئيسية للمعوقات الأساسية للراشدين خلال الطفولة بأمريكا عام 1970.

قضايا تصورية في الاضطرابات التطورية :

إن تحديد ما هو الاضطراب التطوري يثير مشاكلا ًعديدة :. منها التدخل العلمي وكذلك وجهة النظر العلمية.
وإحدى القضايا الأساسية في تحديد مفهوم العجز التطوري (DD) .وعند اعتبار أن هناك فئة للعجز التطوري , فأنه ينبغي أن يكون هناك تصنيفا ً خاص بقضايا معينة مثل التأخر , والتفكك , والانحراف , واضطرابات النمو تصنف كصور لعجز النمو , وتشترك في الفترة الزمنية المماثلة , والظهور المبكر , والتدمير أو التلف البدني أو العقلي المتعدد , وغالباً ما تكون شاملة في تأثيراتها الوظيفية طويلة المدى .

اضطرابات الارتقاء الأساسية :

1- التخلف العقلي Mental Retardations
ويشير التخلف العقلي إلى قصور جوهري في الأداء الحالي , ويتسم بأداء عقلي معدل فرعي بشكل دال. ويوجد قصور متعلق باثنين أو أكثر من مجالات المهارات التكيفية التالية :.
( الاتصال / رعاية الذات / المعيشة المنزلية / المهارات الاجتماعية / الاستفادة من المجتمع / والصحة والأمان / الفراغ والعمل / أوجيه الذات/ توظيف الدراسة الأكاديمية)ويشترط أن يظهر التخلف العقلي قبل عمر 18 سنة.

2- التوحديةAutism
التوحدية هي زملة أعراض سلوكية لاختلال وظيفي عصبي يتسم بتفاعلات اجتماعية ضعيفة واتصال لفظي وغير لفظي ونشاط تخيلي متضائل وتقيد واضح للنشاطات .

3- صور العجز عن التعليم
يظهر الأفراد ذو صعوبات التعلم نمطاً من مشكلة أكاديمية أو تحصيلية .

العلاقة بين مرضية الوالدين ومرضية الأطفال :-

قام علماء النفس ومنذ زمن بعيد بخطوات مؤثرة في زيادة فهم مجال النمو من حيث التأثير الذي يحدثه الآباء على الأطفال والتي تثبت وجود دليل قوي وموثوق في تأثير الوالدين في التطور الطبيعي للطفل.

اكتشاف تجاهل دور الأب في مرضية الأبناء:.
اكتشف أيرون وزملاؤه 1961 تجاهل المؤثرات البيئية في تطور عدوان الأطفال كقصور منهجي عظيم في الكتابات.

العوامل التي أدت إلى إغفال دور الآباء في مرضية الأطفال:

نسب النقص في الانتباه إلى دور الآباء في مرضية الأطفال إلى عوامل منهجية وعوامل ثقافية اجتماعية تقلل من دور الأب وتتفوق فيها الأم في الدراسة وفي قوة تأثير الدور الأمومية ولاعتبارات وضعت حواجز أكبر ضد الآباء .

علاقة مرضية الوالدين بمرضية الأطفال :.

أثبتت الكثير من الدراسات بتأثير الاضطراب النفسي لدى الأمهات على الصحة النفسية للأطفال , وبرغم قلة الدراسات التي تركزت على المرض النفسي لدى الآباء إلا أنه جاء منها يؤكد من وجود ارتباط من النتائج السلبية لدى الأطفال .

تصنيف الاضطرابات السلوكية في الطفولة:

توجد تساؤلات تدور حول اضطرابات الطفولة , منها: بأي طريقة قد تكون الشخصية والسلوك مصنفان لدى الطفل على أنهما مضطربان ؟ وكيف يتصل السواء والشذوذ ببعضهما ؟ وكيف ينشئان ؟
وللإجابة , فقد أجرى توماس و تشيس دراسة طويلة المدى , وتوصلا إلى وجود (9) فئات من المزاج , وتمثل في الآتي:.
1- مستوى النشاط : العنصر الحركي للأداء.
2- الانتظام الخاص بالتنبؤ بحدوث أي أداء .
3- الانسحاب : طبيعة الاستجابة المبدئية لمثير جديد.
4- تكيف الاستجابة لمواقف جديدة أو مثيرة.
5- عتبة الاستجابة ( مستوى الاستشارة )
6- الحالة المزاجية .
7- شدة رد الفعل .
8- الارتباك .
9- سعة الانتباه .
أما تصنيف الاضطرابات السلوكية في الطفولة فنجد أنها كثيرة وقد أجريت محاولات لابتكار نوع من الصبغة التصنيفية , منها :.
1- اضطرابات السلوك .
2- المشكلات الشخصية .
3- السلوك غير الناضج .
4- ذهان الطفولة .
5- الحركة المفرطة والاندفاعية .
وبصفة عامة , قد يلاحظ أن المصاب أكثر شيوعاً لدى الأطفال من الذهان والأطفال المضطربين يكونوا أكثر اكتئابا , وغير مطيعين , و عدوانيين مقارنة بالأطفال العاديين
كما أن الأطفال المنبسطين المستقرين يكونون أكثر نجاحا,
في حين أنه عند عمر 12-14 سنة يكون الأنطوائيون
( حتى غير المستقرين ) أكثر نجاحاً ,. وتمثل صعوبات التعلم مشكلة هامة لدى الأطفال ومن المهم تميزها ونستنتج أن الاضطرابات السلوكية في الطفولة متنوعة وتصنيفها يكون أمراً صعبا ً بالمقارنة بالاضطرابات السلوكية لدى الراشدين .

الفصل الخامس
طبيعة واضطرابات الراشدين

من النماذج الأكثر بروزاً في ارتباطها بمرحلة الرشد والشيخوخة دون أن تكون مقتصرة على هذه الشرائح العمرية , وذلك على النحو التالي :.
1- الاعصبة Neuroses .
2- اضطرابات الشخصية Personality Disorders .
3- الذهانات الوظيفية Functional Psychoses .
4- الذهانات العضوية Organic Psychoses

فالاعصبة :.

يعتبر الفرد عصابياً إذا خبر (جرب) القلق في مواقف لا تستدعي مثل هذا الرد . والتناقض العصابي تعبير يستخدم ليشير إلى إستراتيجية هزيمة الذات ومن المحير أن نجد فرداً يكون مجبراً أن يفكر وتكون أنماطه السلوكية مؤدية بشدة إلى الحزن .
ويفسر علماء النفس أن حبل التأقلم هذه تمكن الفرد من التخفف من القلق على المدى القصير .

عصاب القلق :.

من أبرز ما يتصف به هذا العصاب هو انشغال البال الشديد الذي يصل إلى حد الذعر وغالباً ما يرتبط بأعراض جسمية .
وهو يختلف عن عصاب الفوبيا فالقلق قد يحدث تحت أي ظرف والصورة الإكلينيكية للعصاب هو أن مريض عصاب القلق لديه بعض أو كل الأعراض الآتية :.
1- عدم القدرة على التركيز .
2- صعوبة اتخاذ القرار.
3- اختلالات النوم .
4- الإفراط في الجهاز العصبي .
ويعايشون هؤلاء المرضى كل مشاعر الخيبة والتي هي وليدة قلقهم .

المخاوف الشاذة :.
الفوبيا تعرف بأنها خوف متسلط من شيء محدد أو من موقف لا أساس منطقي أو معقول له , رغم يقين المريض أنه لا يوجد خطر يحيط به . ومن هذه المخاوف:. خواف الأماكن المرتفعة والمفتوحة والمغلقة وخواف الوحدة وخواف المرض وخواف النار .
الصورة الإكلينيكية :. تبرز أن المريض يعاني عادة من اختلالات كثيرة تلقائية لا إرادية وأعراض جسمي و تمتد من الشعور المعتدل بالمضايقة إلى القيء أو الإغماء .

العصاب القهري الوسواسي :

يعاني المريض من التفكير الملح والذي يحاول منعه ولكنه يسلكه قهرياً والصورة الإكلينيكية لبعض من الوساوس الأكثر شيوعاً تتضمن موضوعات متعددة مثل المبالغة فيما يتعلق بالوظائف الجسمية , والميل نحو أفعال لا أخلاقية وقد تمتد الأفعال القهرية من حركات بسيطة إلى طقوس معقدة وهي التي تتعلق بالاغتسال .
والملامح الأساسية لاضطرابات الوسواس القهري أن الأفكار أو الدوافع للفعل تحدث بشعور ذاتي بالقسر .

الاكتئاب التفاعلي العصابي :

في حالة الاكتئاب التفاعلي تظهر أعراض كآبة شديدة على الفرد يمكن أن ترى كاستجابة لبعض الأحداث شديدة الانعصاب .
والصورة الإكلينيكية : تبرز على النحو التالي مجموعة الأعراض :.
1- تقرير ذاتي بالتعاسة .
2- عدم القدرة على مواجهة المستقبل .
3- نقص في النشاط.
4- صعوبات في التركيز .
5- انشغال مسبق بأفكار غير سعيدة .
6- صعوبات في الانصراف إلى النوم .

العصاب الهستيري ( النمط التحولي ):

حسب رأي فرويد فإن الهستيريا هي مظاهر لصراعات جنسية لم تحل .
يلجأ لها الفرد المضطرب للحصول على مكاسب كالاهتمام الذي يحتاجه أو أنه قد يستطيع تجنب موقفاً غير سار .
والصورة الإكلينيكية للأعراض الجسمية للهستيريا التحويلية يمكن وصفها تحت ثلاث عناوين ( حسية , حركية , حشوية )
فالحسية كفقدان الحس والإحساس بالخدر أو التنميل واضطرابات أكثر درامية .
والحركية كفقدان القدرة على استخدام إحدى يديه أو إحدى رجليه .
و الحشوية كظهور الزائدة الدودية الكاذبة , والملاريا , والسل , ونوبات السعال .
هناك ثلاثة ملامح تتعلق بالهستيريا التحولية , وهي :.
1- اللامبالاة بأعراض المرض.
2- الطبيعة الانتقائية للعجز الوظيفي .
3- التنافر في الأعراض .

العصاب الهستيري ( النمط الانفصالي ) :

وفيها يحاول المريض أن يهرب من الانفصال بالعزلة والأفكار عن المسئولية السلوكية .
الصورة الإكلينيكية :.
وهناك أربع أنماط أساسية لاضطراب الهستيريا الانفصالية وهي:.
1- النوشي :. الفرد السائر أثناء نومه ينزل من سريره ليؤدي أعمالاً تتصل بحلمه ثم يعود وكأن شيئاً لم يكن . ولا يستطيع تذكر ذلك صباحاً.
2- فقدان الذاكرة :. ليس لها أساس عضوي , والهستيري غالباً مايكون قادراً على أن يتعرف على الأشياء عندما تقدم له بعكس مريض تلف المخ .
3- الهججان :. هو امتداد لحالة فقدان الذاكرة أو يهرب المريض من مشكلاته في مرحلة ليجد نفسه في مكان غريب .
4- الشخصية المتعددة :. يشعر فيها المريض الذي له شخصيتان أو أكثر . وهي شخصيات مميزة ,ورغم أن هذا يكون في وقت واحداً إلا أن الفرد ليس لديه معلومة عن الشخصية الأخرى .

اضطرابات الشخصية
الاضطراب الوحيد في التصنيف الأساسي لاضطرابات الشخصية والذي يسلم بأن له بعض الصفات من زملة الأعراض هو

الشخصية السيكوباتية.
الشخصية السيكوباتية Psychopathic Personality وهي اضطراب ملح أو عدم المقدرة العقلية , سواء يتضمن هذا أو لا يتضمن ذكاء والذي ينجم عنه عدوانية شاذة دون شعور جاد بالمسئولية وهي قابلة للعلاج الطبي .

الملامح الإكلينيكية:.
السيكوباتيون يظهرون في أشكال وقوالب والتشخيص لا ينطبق فقط على هؤلاء الذين لهم نشاطات إجرامية بل حتى مجال السياسية ورجال الأعمال أيضا .
الطباع الخلقية للشخصيات السيكوباتية :.
1- غياب الشعور بالذنب .
2- الاندفاعية : ضيق الرؤيا .
3- البحث عن المثيرات .
4- فشل العلاقات الاجتماعية .
وهناك ثلاثة أنماط للشخصية السيكوباتية يجمع عليها العلماء وهي :.
1- السيكوباتية العدوانية .
2- السيكوباتية القاهرة.
3- السيكوباتية الإبداعية .

تنوع اضطرابات الشخصية :.
التقسيم التقليدي يراه معظم الأطباء النفسيين ذو قيمة بسيطة . ولهذا يتعاملون مع هذه الاضطرابات بطريقة قاطعة , فالكثير من هذه الاضطرابات لها ملامح مشتركة وأهمها :.
الشخصية الوسواسية :تصلب التفكير , الضمير الحي المفرط , الالتزام الصارم .
الشخصية البارانوية :الحساسية اتجاه النقد , ومشاعر مبالغ فيها حول أهميتهم .
الشخصية الفصامية :.رغم التصاق صاحب هذه الشخصية بالواقع إلا أنه يفضل أن يعيش في عالمه المملوء بالأحلام اليقظة والخيالات .
الشخصية القاهرة :.يصعب عليها التأقلم العقلي والانفعالي أو الجسماني .

الذهانات الوظيفية
Functional Psychoses

الذهانات الوظيفية توصف بأنها لا تشجع على التعاطف مع الشخص المصاب به بعكس المريض العصابي , وفيما يلي أشارات إكلينيكية تستخدم بصفة عامة لتفصل كلا من الذهانات الوظيفية والذهانات العضوية عن المرض العصابي ومجموعة اضطرابات الشخصية في إنكار أن هناك مشكلة والافتقار في الاتصال بالواقع وفقدان الوعي بالمكان والزمان واحتمال أذية الذات والآخرين

والنوعان الرئيسيان للذهان الوظيفية هما :.
الفصام واكتئاب الهوس :. الفصام أو مصطلح خبل الشباب الذي يوصفه كريبلين ليشير إلى مجموعة من الاضطرابات والتي رأى أنها تتميز بالتدهور في القدرات المعرفية , والإدراكية , والوظيفية , والانفعالية والتي كانت بداية مرحلة الطفولة .
ويمكن القول أن الفصام يمكن أن يعرف بأنه اضطراب ذهاني , ليس له أساس عضوي معروف , والذي يحدث عدم تكامل الشخصية والتصدع الإدراكي والمعرفي والوظيفية الانفعالية .
الصورة الإكلينيكية :
1- اضطراب عملية التفكير :. بمعنى عدم الترابط والميل لتناول القضايا الجانبية
2- الاختلالات الوجدانية :. وهي :.
أ‌- الفتور الوجداني :. عدم القدرة على التعبير عن الانفعالات .
ب‌- العواطف المتنافرة :. الانفعال غير منسق مع الإفكار .
ت‌- الاضطرابات النفس حركية :. وقوع الذهول ( فتور الوعي )
ث‌- نقص الإرادة :. عدم القدرة على اتخاذ القرارات .
ج‌- التوهمات الأولية :. ويقصد بها الهلاوس الوهمية بدون دليل .
ح‌- الهلاوس :. إدراك أشياء لا وجود لها .

أنماط الفصام :.
للفصام أربعة أنماط وهي :.
1- الفصام البسيط : أكثر الأنواع صعوبة في التشخيص وتظهر بعض العلامات مثل التوهمات .
2- الفصام المبكر: وأعراضه الواضحة هي :اضطراب التفكير والاضطرابات الانفعالية , ضحكات غريبة وسخيفة والاستمرار في وضع ثابت لعدة ساعات
( الفصام التخشبي ) والشعور بالعظمة والاضطهاد , وتسود الهلاوس .
3- الذهان الوجداني : ويتسم بالتقلب السريع إذ قد يمتد إلى أقصى درجات الاحتياج الشديد إلى الحزن الشديد.
والصورة الإكلينيكية للأنماط الثلاثة المعروفة بصفة عامة للذهان الوجداني هي :. الهوس والاكتئاب , والنمط الدوري للاكتئاب الهوسي ,وأعراض الهوس تمثل في :.
حالة الزهو , إنكار المشكلات , ضغط الأفكار, تطاير الأفكار , قصر فترة الانتباه , أفكار العظمة ( غرور حاد ), قلة النوم , زيادة الحافز الجنسي .
وأعراض اكتئاب المنشأ والذي هو قابل للجدل بوضوح عن الاكتئاب التفاعلي وهو على العكس تماماً مع تلك التي ترتبط بالذهان الهوسي مثل :.
1- شكاوي من الفقدان المفاجئ للاهتمامات .
2- انخفاض الروح المعنوية .
3- البطء في عملية التفكير .
4- انخفاض في تقدير الذات .
5- الاستيقاظ المبكر من النوم .
6- فقدان الشهية للطعام والرغبة الجنسية .
واستجابة الهوس الاكتئابي الدوري : تتضمن تأرجح الحالة المزاجية من أعماق الاكتئاب إلى مرتفعات المرح والزهو مع أن الفترة التحولية طبيعيا ً ما تطرأ أحياناً و يطول أمدها .

الذهانات العضوية
Organic psychoses
التعريف :. طائفة التشخيص الواسع لهذه الاضطرابات تتضمن كل هؤلاء الذين يعانون من اختلالات شخصية والتي يمكن أن تكون قد نسبة إلى المدى الأكبر أو الأصغر, إلى المرض أو إلى إصابة الجهاز العصبي المركزي مع إن تلف المخ من المحتمل جداً أن يحدث تغيرات في السلوك .

الصورة الإكلينيكية :. ما يهم هو الدلالات الإكلينيكية الكاشفة لتلف المخ .. وهي :.
1- اختلالات الذاكرة :. وتحديداً الذاكرة الحالية فأنها تحفظ بطريقة سيئة .
2- التغيرات الوجدانية ( عدم الثبات الانفعالي ) .
3- نقص القدرة على التفكير المجرد وفي فهم الأفكار الجديدة .
4- اضطرابات الانتباه .
5- تغييرات الشخصية .
6- نوبات الصرع :.تحدث تلفاً في المخ في حالات كثيرة يمكن أن يخل بإيقاع التصريف العصبي والنوبات الصرعية , الصغرى أو الكبرى الحادة.
وهناك اضطرابات شائعة يمكن تمييزها في ضوء أسباب الأمراض وهي :.
1- عدوى المخ تؤدي إلى شلل عام خفيف ( مرض الزهري)
2- أورام المخ :الأعراض المبكرة لأورام المخ تكون مثل الأعراض الجسمية كالصداع المتواصل والتقيؤ .
3- إصابة المخ الحادة يمكن أن يحدث أعراضاً والتي تتحد مع تشخيص الذهان – والشخصي ضحية حادثة سيارة لا يدرك الزمان والمكان , لا يبادر ولا يتذكر أي شيء يتعلق بالحادثة .
4- إضححلال الجهاز العصبي ( خبل الشيخوخة ) لا يستطيع التركيز .
وهناك أربعة أمراض أساسية في هذه الفئة خوريا هنتينجنون , ومرض بيل , ومرض باركسون .

التخلف العقلي
حددت الجمعية الأمريكية لعلم النفس 1970 التخلف العقلي في المقام الأول بأنه مشكلة نفسية , ونفسية تعليمية . كما عرفته بأنه عجز في التكيف لمطالب وتوقعات المجتمع , وصعوبة التعلم , وصعوبة حل المشكلة التي تعرض له والتفكير المجرد .

الفصل السادس
الأساليب والأدوات التشخيصية للأمراض النفسية

تقدم المسلمة الأساسية في عملية القياس النفسي على أن الفرد يختلف عن غيره من الأفراد في أبعاد معينة يمكن وصفها وقياسها .
والتشخيص الطب النفسي يعتمد على معلومات مستقاة من مصدرين أساسيين يغطيان معا ثلاثة مجالات من البيانات وهي :.
الفحص البدني – المقابلة الشخصية والتي تضم تاريخ المريض والجوانب الاجتماعية والجوانب النفسية المختلفة له .
والفحص الطبي ضرورة وذلك لإثبات أو استبعاد الأسباب العضوية والجسمية التي قد تؤدي إلى مظاهر سلوكية مضطربة .
وهناك مجموعة من الأساليب التي يمكن للأخصائي النفسي الإكلينيكي أهمها :.

1- الملاحظة .
2- المقابلة .
3- الاختبارات النفسية المختلفة .

وهي ليست بدائل متعارضة أو كافية إذا أخذ أحدهما وجب ترك الآخر وإنما هي أساليب متكاملة وفي أحيان أخرى متداخلة يمكن استخدامها في عملية الفحص والتقويم ومن ثم التشخيص , ويتم ذلك في إطار ما يسمى بدراسة الحالة CASE STUDY باعتبارها الوعاء الذي ينظم ويقيم فيه المختص كل المعلومات والنتائج التي يحصل عليها عن الفرد .

وتغطي دراسة الحالة مدى واسعاً من البيانات يشمل مايلي :

1- البيانات الأولية: كالنوع والعمر والحالة التعليمية ( أو المهنية ) والعنوان …..
2- الشكوى الحالية :. وتتضمن وصفاً دقيقاً للأعراض التي يشكو منها الطفل وتطورها حتى الوقت الراهن .
3- التاريخ الشخصي:. ظروف الحمل والولادة والرضاعة ووقت الفطام والتسنين وضبط الإخراج, بداية المشي , ونمو اللغة , السلوك الطفلي , العادات والهويات .
4- خبرات المراهقة ووقت البلوغ .
5- التاريخ التعليمي : من بداية الدراسة , المستوى العام .
6- أمراض الطفولة الأخرى.
7- الأمراض العائلية : سواء أكانت جسمية أو نفسية أو عقلية .
8- الحالة الاجتماعية للأسرة: بيانات عن الأب والأم وعلاقتهما أثناء الحمل بالطفل , وهل كان الحمل مرغوباً فيه أم لا .
9- الفحص النفسي والعقلي : ويشمل السلوك , المزاج , الانفعالية , السلوك الحركي
10- المعلومات الإضافية : أي معلومة أخر ذات علاقة .

الملاحظة Observation

تنقسم إلى نوعين:.

1- ملاحظة عابرة أو عارضة
2- ملاحظة مقصودة أو قصديه .
ويمكن تلخيص خطوات الملاحظة فيما يلي:.
1- يحدد الأخصائي ما هي الجزئيات أو الوقائع السلوكية .
2- تعريف الجزئية السلوكية أو الواقعة السلوكية .
3- اختبار الشخص القائم بالملاحظة والاطمئنان لإتقانه لتلك الملاحظة .
4- القيام بعملية تسجيل الملاحظات عن الوقائع السلوكية باستخدام طريقة تسجيل محددة كالتكرار .
5- تحليل الملاحظات السلوكية والخروج بالاستنتاجات تمهيداً لصياغة التشخيص ويوجد اثنان من النماذج المتاحة للاستخدام في الملاحظة في مصر وهما:.
1- كراسة ملاحظة لتقدير سمات الشخصية ومميزات السلوك الاجتماعي .
2- بطاقة تقديم الشخصية :. وتكون بالإضافة إلى البيانات العامة المميزة من (9) أقسام رئيسية منها:. تحديد المشكلة والجهود التي بذلت لحلها ومعلومات عن الصحة والمظهر وغير ذلك .

مميزات الملاحظة :.
1- يمكن عن طريقها الحصول على معلومات لا يمكن الحصول عليها عن طريق الوسائل الأخرى كالمقابلة أو الاختبارات .
2- تتيح دراسة السلوك الفعلي في المواقف الطبيعية .
3- أسلوب مناسب مع الأطفال الذين لا يجيدون اللغة نطقاً.

عيوب الملاحظة :.
1- كثير من الأشخاص لا يحبون أن يكونوا موضع ملاحظة مما يدفعهم إلى التحفظ أو المبالغة .
2- بعض الملاحظات لا يمكن ملاحظتها نظراً لخصوصيتها الشديدة .
3- لا تخلو الملاحظة من بعض التحيزات ( الملاحظة الذاتية )
4- هناك بعض المشكلات في طريقة تسجيل تتعلق بالملاحظة الصريحة والملاحظة الخطية كونها قد تثير قضايا أخلاقية .

ثانياُ: المقابلة Interview

هي أداة لجمع البيانات وتستخدم في كافة مجالات الحياة المختلفة ,وهي من أقدم الوسائل ولابد أن مقصودة ومخططة

الأسس الضرورية للمقابلة المعتبرة لجمع المعلومات :

1- تعتمد المقابلة على اللغة والحوار بشكل أساسي لذلك هي شفاهية .
2- تتضمن المقابلة طرفين أساسيين الأول هو الأخصائي والطرف الثاني هو المفحوص .وتتعدد أشكال المقابلة من حيث الأطراف
( أفراد /جماعات )
3- أن تتم المقابلة وجهاً لوجه أي يكون الأخصائي موجوداً بحيث يسمح بالتفاعل .
4- لابد من وجود خطة معينة بحيث تشمل المكان والزمان والهدف منها .
5- المقابلة تتم لتحقيق أهداف معينة ومتعددة حسب المجال الذي تستخدم فيه .

الأهداف الرئيسة للمقابلة :

أ‌- المقابلة التشخيصية :. وهي التي تتم بهدف الفحص والتقدير .
ب‌- المقابلة العلاجية :. التحكم في سلوك الطرف الأخير أي تقديم التوجيهات العلاجية ومتابعتها خلال الجلسات .
ت‌- المقابلة البحثية : كمقابلة ذوي المريض للحصول على بيانات أعمق عن المريض لتوجيه العمل التشخيصي والعلاجي مستقبلاً .
-بالإضافة لذلك يقسم بعض الباحثين المقابلة التي تجري في المجال الإكلينيكي إلى عدة أنواع على النحو التالي :.
أ‌- مقابلة القبول بالعيادة أو المستشفى لتحديد الخطورة أو جوهرية الشكوى .
ب‌- مقابلة البحث الاجتماعي :. جمع معلومات شخصية منذ ميلاد المريض وحتى وقت المقابلة .
ت‌- مقابلة الفحص النفسي والعقلي :. وذلك للحصول إلى التشخيص المبدئي للحالة
ث‌- المقابلة الممهدة والتالية للاختبارات النفسية.
ج‌- المقابلة الممهدة للعلاج النفسي .
6- يمكن أن تستخدم المقابلة في أي مرحلة من مراحل العمل الإكلينيكي ( التشخيص أو العلاج أو البحث )
7- يتباين مستوى المقابلة من حيث التقنين فهي يمكن أن تكون حرة , أو نصف مقننة أو كاملة التقنين .
8- تطبق المقابلة مع عدد كبير من الأفراد و لا تقتصر على صاحب المشكلة .

شروط المقابلة الناجحة :

أ‌- الظروف الفيزيقية:. لابد من توفر كافة العناصر في البيئة الفيزيقية مثل درجة الحرارة , الإضاءة , التهوية , وانخفاض, الضوضاء ,وتوفر المقاعد المريحة .
ب‌- التسجيل :. وذلك باختيار الوسيلة المناسبة دون تشتيت المريض .
ت‌- السرية :. وهي شرط أساسي لا يحتاج لتأكيد مهما كان عمر المفحوص.
ث‌- مهارة الأخصائي:. لابد من أن يكون الأخصائي ذو كفاءة من حيث معلوماته ومهاراته التخصصية والثقافية ( ثقافته العامة )

-أسس ومبادئ المقابلة :

1- وضع الأساسي السليم للمقابلة وهو الإقدام المتبادل بين الأخصائي والمريض .
2- بدء المقابلة بأسلوب سليم بتوضيح الغرض منها .
3- ترتيب الأسئلة .
4- الانتقال بسرعة مناسبة أثناء المقابلة من موضوع إلى آخر .
5- تسجيل المقابلة بأسرع ما يمكن .
6- معالجة فترات الصمت بلباقة .
7- معالجة الكشف عما وراء الإجابات الصحية .
8- توجيه الأسئلة بطريقة صريحة , مواجهة انفعالات المريض .
9- إبداء الاهتمام الكافي بمصلحة المريض وإجادة فن الإصغاء .
10- الالتزام بالمواثيق الأخلاقية التي تحدد طريقة التعامل مع المرضى .

-محتويات المقابلة :

تختلف محتويات المقابلة من مجال إلى مجال ومن حالة إلى أخرى , وبالرغم من ذلك فمن الممكن الوصول إلى بعض العناصر التي تمثل القاسم المشترك من جميع الحالات ,
وهي :.
1- صياغة مشكلة المريض من واقع تعبيره عنها .
2- موقفه تجاه المشكلة .
3- عاداته السلوكية.
4- المدرسة ومشاعره تجاهها وعلاقاته بالمدرسة .
5- اهتماماته وطموحاته الحاضرة والمستقبلية .
6- الخيال والأحلام .
7- الأعراض الانفعالية والوجدانية .
8- الأعراض المرضية الجسمية .
9- الأعراض النفسية كالمخاوف, القلق , والتوتر.
10- مصادر الصراع .
11- المظهر الخارجي .
12- التآزر النفسي الحركي.
13- القدرات اللغوية الكلامية.
14- العلاقات الاجتماعية داخل العيادة .
15- التفكير والذكاء
-تقديم المقابلة :.

مميزاتها :

1- تتعدد وظائف المقابلة واستخداماتها التشخيصية والعلاجية والبحثية .
2- تهيئة أفضل لدراسة التشخيص.
3- المقابلة توفر نوعين من المعلومات أحدهما :.الإجابات على الأسئلة , ثانيهما :. ما ينتج عن الملاحظات التي تتم أثناء إجراء المقابلة .
4- مرنة تسمح بتغيير الأسئلة .
5- توجد فرصة للألفة والمودة والمباشرة وجها ً لوجه.

عيوبها :

1- هي عرضة لأخطاء الحكم في ظل عدم مهارة الأخصائي في جمع البيانات .
2- وقد تكون عرضة أيضا لأخطاء التحيز .
3- كما تعاني المقابلة من بعض المشكلات فيما يتعلق بالثبات والصدق خاصة إذا كانت من النوع الحر أو إذا كانت تجرى مع أطفال صغار.

ثالثاُ:. الاختبارات النفسية :

الاختبار النفسي :. مصطلح عام يشير إلى أداة تستخدم للحصول على عينة من سلوك الفرد في موقف معين من حيث ظروف التطبيق ومواد الاختبار وطريقة التطبيق والتصحيح .

تعريفها :. عرفها انستازي بأنه مقياس موضوعي مقنن لعينة من السلوك .

وتصنيف الاختبارات والمقاييس النفسية على أساس عدد من المحاور منها اللفظية ( التي تعتمد على اللغة بشكل أساسي) في مقابل أدائية أو عملية ( التي تعتمد على الأداء اليدوي والمهارة الحركية أو تعتمد على الصور ) والاختبارات الفردية ( تطبيق على فرد واحد) والاختبــــــارات الجمعيــــة ( تطبيق على مجموعات ) واختبارات عقلية (تقيس الذكاء والتفكير والانتباه ) ومقاييس الشخصية ( سواء التي تقيس الأبعاد أو التي تقيس السمات )

-المتغيرات المؤثرة على أداء الاختبارات النفسية :

1- المتغيرات الفيزيقية مثل درجة الحرارة , التهوية , الإضاءة .
2- المتغيرات الخاصة بالاختبارات سواء من حيث النوع ( ورقة وقلم أو جهاز ) وطريقة الإجابة عنه , ودرجة التشويق الموجودة فيه وطوله ودرجة الصعوبة وهي متغيرات من السهل ضبطها .
3- المتغيرات الخاصة بالمفحوص(المريض) كسماته الشخصية,العوامل الديموجرافية والقدرات العقلية, وخبراته السابقة .
4- المتغيرات الخاصة بالفاحص ( الأخصائي) كالخبرة والتدريب والموضوعية
-نماذج من الاختبارات النفسية التي تستخدم في مجال الاضطرابات السلوكية:.
تتعدد الاختبـــــارات التي تصـــــــلح للعمـــــــــل الإكلينيكي
( مجال الاضطرابات السلوكية ), منها:.
1- مقياس فانيلاند للنضج الاجتماعي : وضعه إدجار دول عام 1935 , ويتكون من (117) تبدأ مرتبة من حيث مستوى صعوبتها , وهي تغطي (8) جوانب رئيسة من النضج الاجتماعية منها :الاعتماد على النفس والكفاءة الاجتماعية.
2- مقياس السلوك التوافقي ( التكيفي ):. من إعداد نيهيرا و زملائه , ويهدف هذا المقياس إلى قياس مستوى فعاليات الفرد المختلفة .
3- قائمة ( بل ) للتوافق :. من إعداد ( هيوبل ) ترجمة د. محمد نجاتي , وتتكون من 140 بنداً , وتقيس القائمة (4) جوانب وهي :. التوافق المنزلي, والصحي , والاجتماعي , والانفعالي , وتستخدم مع الطلاب الثانوية والجامعات .
4- مقياس الغضب :. إعداد محروس الشناوي وعبدالغفار الدماطي ويتكون من (28) فقرة تقيس الأبعاد الثلاثة التالية : استثارة الغضب , المواقف المولدة للغضب , واستمرارية للغضب , وتصحيح بعض النظرات في الاتجاه الموجب , وبعضها في الاتجاه السالب .
5- قائمة التعرف على المشكلات المدرسية :. أعدها ناجي ونقلها إلى العربية
د. محروس الشناوي و د.عبد الغفار الدماطي , وتستخدم للتعرف على بعض المشكلات مثل صعوبات التعلم .
6- مقياس بيركس لتقدير السلوك ونقله إلى العربية القربوطي تتكون من 110 بنداً موزعة على 19 مقياساً فرعياً مثل :. الانسحابية الزائدة .
7- قائمة مليون الإكلينيكية متعددة : أعدها ميلون وعربها السيد عبدالغني وهي تهدف لمساعدة الإكلينيكيين في اتخاذ قرارات بصدد القياس والعلاج بالنسبة للأفراد .
8- اختبار قياس خبرات الطفولة وعلاقتها بمشكلات التكيف, أعدها واطسون وعربه فهمي وغالي , ويهدف إلى قياس العلاقة بين ما يحس به الفرد من خبرات طفليه تعرض فيها للإحباط وبين ما يعانيه من اضطراب سلوكي , يتكون من (33) عبارة مكتوبة بالعامية يجاب عنها باختبار بديل من ثلاثة :. دائماً , أحياناً , نادراً, يقيس عدة متغيرات تتعلق باضطرابات الطفولة .
9- مقياس اضطرابات النوم :. تأليف عبدالخالق والنيال ولقد استمدت بنود هذا المقياس من التراث السيكولوجي والسيكاتري , وتم استخراج ( 3) عوامل هي :. الأرق , النوم المضطرب , الأحلام المزعجة , كثرة النوم . يشتمل على (15) عبارة يجاب عنها باختيار واحد من خمسة بدائل .
10- اختيار تفهم الموضوع للأطفال :. وهو اختبار أسقاطي أعده بلاك ليناسب الأطفال , ويساعد هذا الاختبار في الدراسة الدينامية العميقة لشخصية الطفل والكشف عن مشكلات الطفل ودوافعه وفكرته عن العدوان .
-تقويم الاختبارات النفسية في مجال الاضطرابات السلوكية ليست مضمونة النتائج وليست وسائل سحرية إذ تتوقف فائدتها على حسن استخدامها

مميزات الاختبار النفسية :

1- الاختبارات النفسية أفضل من بديلاتها –عادة
2- لأنها تتطلب وقتاً أقصر ومجهوداً أقل وموضوعية أكثر .
3- من السهل تبادل النتائج بين المتخصصين .
4- تعتبر أكثر مرونة من حيث قابليتها للتحليل لاعتمادها على قيم رقمية.
5- اقتصادية في الوقت والتكلفة وتوفر الجهد.

عيوب الاختبارات النفسية:

1- تتوقف نتائجها على عوامل متعددة مثل اتجاهات المريض ومستوى التدريب الأخصائي وطبيعة الاختبار .
2- تكون الاختبارات مضللة إذا أسرفنا في استخدامها دون وعي .
3- قد تؤدي إلى تشكيل علاقة بين الأخصائي النفسي والمريض غير مرغوب فيها
4- لا تناسب بعض المرضى الذين يعانون من عجز معين أو الأميين .
5ـ تؤدي إلى الانصراف عن المتغيرات البيئية تماماً.

====================


علم نفس عسكري

الحرب النفسية وتأثيرها على مستقبل الدول

اعداد: ناديا متى فخري

كيف تؤثر الشائعات والدعايات المدبلجة على الإستعداد النفسي للعسكريين

إذا كانت العلوم قد حققت تقدماً هائلاً في مجالات الحياة المختلفة, فإن علم النفس أيضاً, إستطاع أن يأخذ مكانه بين العلوم, منذ دخوله ميدان التجربة ليصبح عالماً مستقلاً بحد ذاته, له مكانة واسعة بين العلوم الأخرى, وله موضوعاته ونظرياته.. نحن نعرف أن لكل علم خصائص ومميزات وسمات أساسية تعبّر عن الدوافع التي تلعب دوراً أساسياً في مجاله, وعلم النفس العسكري الناشط تطرّق في اجتهاداته الى دراسة أهم العوامل التي تشكّل أزمة حقيقية ضمن المؤسسات العسكرية, التي تعتبر العمود الفقري للدولة, والقاعدة الأساس التي تنهض بكامل أجهزتها. وبما أن الجيش يأخذ موقع السويداء في قلب السلطة, أي أنه في النقطة الحساسة ­ الحرجة التي تلتقي حولها مؤسسات الدولة, فهو الذي يصون وحدة الأجهزة العامة والخاصة, ويحدد نمط الإتجاهات الوطنية والإجتماعية, بما فيها من سياسة وطنية وسياسة إدارية عامة, وسلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية, ويسهر على سلامة العلاقات, التي تربطها بعضها بالبعض الآخر.. ومن هذا الموضع رأى علماء النفس, أن مؤسسة بهذا الحجم من المسؤولية تتطلب مزيداً من الإهتمام بشؤونها الداخلية, وتحتاج الى رصد الخبرات لصونها من التيارات التي تسيء الى توازنها وتماسكها, على أقل تقدير, كونها تشكل صمام الأمان الأساسي للوطن… ومن هذه الرؤية, عمد علماء النفس الى إستعراض أبرز العوامل التي لعبت دوراً خطيراً في الميدان العسكري واستنفدت الإمكانات والثروات الوطنية وانتهت بتطلعات الشعوب وآمالها الى الخيبة. وقد استند علماء النفس في سلسلة إجتهاداتهم الى معلومات ومرتكزات وتجارب مشهود لها في هذا المجال, وانتهوا الى أنّ الحرب النفسية Psychological War For)) , هي أخطر سلاح حربي إستخدم منذ أقدم العصور, لفرض إثارة الصراعات والفتن بين صفوف العسكريين, وشق وحدة الصف الوطني. والملاحظة الجديرة بالإهتمام, أن الحرب النفسية قد برزت بأساليب مختلفة وتسللت الى غرفة العمليات العسكرية وتركت بصماتها بوضوح, وكانت دائماً ترتبط بالمعارك الحربية بصورة أولية, وأشيرَ إليها كعامل أساسي في نجاح أو فشل المعارك.
باختـصار, إن الحـرب النفسية هي فنّ حربي, يُنشر عن طريـق الدعاية وبث الشائعات المسمومة, أو, عن طريق إرسال الجواسـيس بهدف جمع المعلومـات عن الجهة التي توجّه إليها الحرب النفسية, بقصد التوصـل الى تدبيـر مخطـط يستـهدف قاعدة القيادة.. وقد سـجّل علم النـفس موقفاً صريحاً من سياسة الحرب النفسية وأهدافها, وتوسّع في تحلـيل المصـادر والبصـمات التي تتـركها في المجال العسكري.

سياسة الحربة النفسية

من المعلوم أن الحرب تقوم على صراع الإرادات؛ إنها صراع إرادتي خصمين يحاول كلاهما أن يجبر خصمه على الرضوخ لإرادته, فالهدف الأساسي لأي حرب, هو كسر إرادة الصمود لدى العدو وبالدرجة الأولى قيادته, وإجباره على الإستسلام الكامل غير المشروط, أي, تجريده من الإمكانات والقوى المادية والمعنوية, وجعله لا إرادياً يتراجع في كل موقع حاملاً معه خسائره الكبيرة… ولا ريب أن أخطر أسلحة الحرب فتكاً هي التي تستهدف تمزيق الروح المعنوية وتساعد الخصم على تحقيق سياسة دولته وأهدافها. لهذا نجد جميع الجيوش في العالم تستخدم أساليب الحرب النفسية لتحجيم قوة الخصم, ومحاولة التأثير على معنوياته والقضاء عليها من جهة, ورفع معنويات قطعها العسكرية وتحريكها بإتجاه إيجابي للصمود أمام الأزمات في أوقات الشدة والخطر من جهة ثانية… من هنا, لنا أن نتصوّر خطورة الدور الذي تلعبه الحرب النفسية, خاصة في المجال العسكري, فالجيش هو نواة السلطة, وأي نقد أو تشهير أو فشل يطاله, هذا معناه بالتأكيد, بأن الدولة نفسها قد سُلّط عليها الضوء, وطالها النقد, وحاصرها الفشل.
فإذا قيل مثلاً, أن سياسة الدولة ليست متزنة, أو أن وضعها الداخلي مرتبك أو أن اقتصادها ليس مستقراً, أو إذا أثيرت حولها الشائعات والتصوّرات التي لا تمت الى الحقيقة بصلة, لتشويه صورتها والإنتقاص من قوتها ودفاعاتها الهادفة الى تحقيق النمو الشامل, هنا, تستطيع الدولة أن تأخذ موقف الدفاع وترد على مثل هذه المواقف من دون أن تشعر بإحراج كبير, فبيان أو تصريح من المسؤول المعني بالأمر المشار إليه, قد يُطمئن من يهمهم الأمر, أو يجنبهم القلق على أقل تقدير, ويصحح ما أشارت إليه الشائعات عن أن النشاط الذي تقوم به ليس مجدياً. أما حين تتسرّب شائعة تنطوي على أبعاد وخلفيات تؤثر مباشرة على معنويات الجيش وتشكّل إستغلالاً للمشاعر الوطنية, هنا تصبح المشكلة أكبر وأخطر, ذلك أن بوادر القلق وعدم الإرتياح والرضى تولّد في النفوس أعراض الإنفعال والإضطراب من الوضع السائد, وبالتالي ينمّ عنها عجز وإرتباك في صفوف الجيش ينتقص من قدرة العسكريين ويمنعهم عن الإستجابة والمشاركة الفعّالة ويقودهم الى تجاوز المسؤولية.
وهذه الحالة شغلت إهتمام علم النفس نسبة لخطورتها, ووجد أنه لا بد من إتباع طرق لإثارة إنتباه الجنود الى فعالية القيادة وأهدافها, بحيث يتمكن القادة من عزل الحرب النفسية التي يشنها الخصم ضد قضيته.. لأن الجندي عليه أن يؤمن بالهدف, ويكون متأكداً من أن النظام الذي يسود قيادته سليم, وأن يكون مقتنعاً من أنه يقاسي ويعيش المحن لأسباب ودوافع وطنية مقدسة ونبيلة وليس جزافاً, وهنا يأتي دور التوجيه السياسي والعسكري, ودور التوعية التي تعزز إيمان الجندي بوطنه وقيادته وتجعله أكثر قدرة وتعاطفاً, ولديه مقومات الإستمرار والتواصل والنضال, فلا تغريه شائعة أو تجعل منه هدفاً سهل المنال.

دور التوجيه المعنوي

شدد علم النفس العسكري على أهمية دور التوجيه في إعداد المقاتلين ورفد إستعدادهم للمضي قدماً بثبات من دون الوقوع في ثغرات التراجع, وعلى ضوء معطيات الظروف القائمة, مهما كانت الدوافع والمبررات التي تقف لهم بالمرصاد, إذ يُفترض بكل مقاتل أن يتمتع بإرادة صلبة ويظل مؤمناً بمواقف قيادته, فالخطر كل الخطر, أن تستدرجه إحدى أساليب الحرب النفسية الى الإحباط, فما الجندي من جندي إذا بدا منهكاً, مستسلماً, فاقد القدرة على الإستجابة لنداءات واجباته العسكرية؟
أما الجانب الأكثر أهمية الذي أشيرَ إليه في مجال مواجهة الحرب النفسية, فهو إعتماد برنامج توجيهي واضح يستند الى مبررات تساعد المقاتل على تقبّل الهدف الذي أعد من أجله, ويتضمن فقرات مهيأة ومعدة بصورة منظمة ترفد استعداد الجنود وتعطيهم الحوافز التي تحصّن دفاعاتهم النفسية, وترقى بمعنوياتهم الى أعلى مستوى من التكامل.. وقد حدّد علم النفس إتجاهات الحرب النفسية في شقين أساسيين, وهما: حماية المقاتل من الإنجراف وراء التيّارات الهدّامة, وتوجيه نشاط مكثّف من أجل الحدّ من قوة الخصم ومنعه من الإستمرار في شنّ حملاته الهجومية ضدّ مصالحه, وهذا يشترط بالتأكيد وجوداً فعّالاً ونشيطاً داخل المؤسسات العسكرية يأخذ على عاتقه إنجاز هذه المهمة التي تتطلب الدقة والذكاء وشخصية موثوقاً بها.
وتعتبر الحرب النفسية من أهم موضوعات الساعة, ويمكن أن نطلق عليها تسمية “مرض التحدي”, لأنها تتحدى المعنويات وتستخدم اسلحة حادة تطعن الشخصية وينتج عنها تلوث فكري وسلوكي, وهذا شيء خطير توقف عنده علم النفس واعتبره محوراً أساسياً في نضاله مع أزمة الحرب النفسية التي أصرّ على أنها حرب باردة, هي حرب أعصاب؛ قد تكون حرباً بلا مدافع وبلا سلاح موجّه, ولكنها أشد خطراً لأنها تعتمد على أساليب خبيثة تصيب الإنسان في انسانيته وتعطيه شعوراً بالخيبة يقلل من قابليته على التحسس بمسؤولياته الوطنية, ويجعله عاجزاً عن تفهم الظروف ومجابهتها بالأساليب الواقعية والعملية.

وسائل الحرب النفسية

يرى “لينبارجر” Linebarger)) وهو أول من قدّم تعريفاً للحرب النفسية ­ بأنها أضمن سلاح استخدم في المعارك لتحقيق المصالح التي يجري الصراع من أجلها ­ بأن الحرب النفسية عمدت في سياستها الى استخدام الوسائل التي تحدث شرخاً عميقاً في خصال الشخصية ومظاهر السلوك وفي طبيعة الأداء والآراء والمعتقدات والقيم المعنوية والروحية للفرد… ونذكر منها:
-­ استخدام أساليب الإبتزاز غير المشروع لتهديد أمن وسلام الدول ودفع قواتها المسلحة الى الإستسلام.
-­ ضرب الموارد الأساسية وافتعال الأزمات السياسية والإقتصادية للتأثير على الرأي العام.
-­ تعميق الشعور العام بفقدان العدالة للتشكيك بسلامة النظام الداخلي, وإرساء حالة من الترقب والإحتجاج والتمرد على الأمر الواقع والأوضاع السائدة.
-­ إثارة النعرات الطائفية ليسود التباغض بين أبناء الشعب الواحد ويعيش الأفراد عمق مرارة الوضع المشحون بالتشوش والقلق, وهذا يفتح خندقاً عميقاً بين أبناء الشعب المنقسم, وتقع البلاد في مأزق حرج؛ وحدّة الصراع هذه بالتأكيد تخدم الخصم.
-­ بثّ الشائعات بهدف إلهاء العسكريين عن الإندفاع وعن الوقوف صفاً واحداً للدفاع عن قضيتهم وأهدافها.
-­ إعتماد أساليب الدعاية التي رأى فيها علم النفس توأماً للشائعة, لها نفس الخطورة كمصدر مؤثر على الرأي العام لسعة إنتشارها الى درجة لا يضاهيها أي مرض آخر…

الدعاية وأهدافها

يرى علم النفس في “الدعاية” Propaganda)), محاولة للتأثير في إتجاهات الأفراد وآرائهم وأنماط سلوكهم, وهي عبارة عن ترويج معلومات منتخبة, وفق تخطيط معيّن, بقصد التأثير على جهة معينة, لغرض قد يكون إقتصادياً أو عسكرياً أو سياسياً, ويمكن التعريف عنها بأنها الأسلوب المخطط لنشر فكرة أو عقيدة أو خبر, وبث معلومات لغاية تهم مصدر الدعاية. إذاً, الدعاية هي لنشر معلومات مختلفة قد تكون حقائق, وقد تكون أنصاف حقائق, وقد تكون أكاذيب, ولكنها في واقع حالها هي محاولة منظّمة للتأثير على الرأي العام عبر إستخدام وسائل الإعلام المختلفة؛ وهي تمثل أهم المصادر المؤثرة في ساحة المعركة.. والجدير ذكره, أن طرق الدعاية المكثّفة قد تحقق نجاحاً آنياً يعوّض عن الحالة الحقيقية للوضع السائد, ولكنه قد لا يستمر الى حد بعيد, فالحقائق سرعان ما تظهر جلية واضحة. ولكن التضليل نفسه قد يكون مطلوباً في بعض المرات بسبب إضطرار القائمين على الدعاية الى إبراز جانب واحد من الصورة وإخفاء الجوانب الأخرى للتستر على الهزائم, فشدة الصراخ تخفي وراءها عمق الهزيمة, ولكن حين تظهر في الأفق الإعلامي حماسة لا عقلانية تدبلجها الصحف وتبثها وسائل الإعلام المسموعة والمتلفزة بصورة مكررة وبقوالب مملة ومقلقة, فإن ذلك يعتبر بحد ذاته دليلاً على وجود ثغرات حول حقيقة المعلومات المبثوثة… ومما لا شك فيه, أن كل إنسان منّا لديه الفكر ولديه العقل ولديه الإمكانية ليعرف ما هو مطابق للعقل والمنطق, ويملك القدرة على إختبار ما هو صحيح وما ليس صحيحاً.
فقد تكثّف الدعاية نشاطها لإثارة غبار كثيف يلفّ الموقف ويجعله قابلاً للشك, وتدعي من النجاحات ما ليس له وجود في حيّز الواقع, وتجعل المرء يعيش في محيط من المظاهر الخادعة, لأن هذا هو الهدف النهائي منها. إلا أن الحقيقة الثابتة هي أن الدعاية المؤثرة هي تلك التي تستند على الحقائق الملموسة وتدير ماكنتها لتعرض الصورة الحقيقية, خاصة حين تكون واثقة مما تشير إليه.
أما في الحالات التي يقف فيها الجيش عاجزاً عن تحقيق نجاحات وإنجازات في ساحات القتال, فهنا لا بد للأجهزة الإعلامية الموضوعة في خدمة القيادة العسكرية أن تشتد فيها الدعاية لصالح معنويات العسكريين, ففي تلك اللحظات تكون الأعصاب مشدودة, بسبب غموض الموقف وعنف المفاجآت. هنا على الدعاية أن توجّه جهودها للتأثير على الأعصاب, وعلى النفس التي تكون في حالة توتر وإضطراب وليس على العقل,لأن المطلوب منها أن تبدأ بتعزيز الشعور التدريجي بالإطمئنان, فذلك يُحدث إستقراراً في نفسية المقاتل وهو أمر مهم جداً في المراحل العصيبة والحاسمة.
ومن أبرز أهداف الدعاية وأهمها في المجال العسكري:
المحافظة على الروح المعنوية للجيش وتوجيهه فكرياً ونفسياً لتقبل ظروف الحرب وما قد ينتج عنها.
كسب تأييد الرأي العام من خلال شرح أبعاد القضية وخطورة الموقف.
إحداث الفرقة بين صفوف العدو وإضعاف قدرته القتالية.
كسب العدو فكرياً, وإظهار أن قضيته خاسرة ولا جدوى من نضاله وإطالة الحرب.
نشر التخاذل وتثبيط المعنويات وإرهاق العدو, للوصول الى تحطيم الدوافع والبواعث للقتال.

الشائعة.. وسيلة وهدف

تأخـذ الشائعة نفس طابـع الدعاية, فهي تهدف الى تزييف الحقائق وتتحرك بالكلمة المنطوقة بين الأفراد, متعمدة بث الشقاق وتوسيع شقة الخلاف بين الخصم وحلفائه في الداخل والخارج, وإجباره على تغيير خططه وبرامجه, وهي دائماً تجد أذناً صاغية وميلاً قوياً لتقبلها كحقيقة ثابتة, رغم أنها قد لا تحمل دليلاً على صحتها وتتغيّر تفاصيلها من فرد لآخر. والشائعة كالدعاية تماماً, تشكل خطورة على واقع المدنيين والعسكريين على السواء, لأنها تبعث في النفس والروح دفعاً جديداً يحدد نشاط الأفـراد نمـواً صاعداً أو ضموراً, والشائعة عادةً تسري في ضعفاء النفوس والأعصاب كسريان النار في الهشيم.
وتعتـبر الشائعة من الوسائل الأساسية للضغط التي تسبق مرحلة إعلان الحرب بين جيشين, إذ يرى فيها طرفا النزاع خير وسيط لإحباط خصمه ومحاصرته ليصبح عاجزاً عن التقدم وفي حالة خضوع تام. وأكثر, تتدخل الشائعة تدخلاً مباشراً في توجيه دفة سياسة الدولة, وتسدد طعناتها الى صميم المؤسسات من دون إستثناء. ومما لا شك فيه, أن الهدف الأساسي من الشائعة, هو هدف شخصي, نفعي وآني, ودائـماً يكون لمصلحة فريـق أو طبـقة معيـنة. ويرى “شارلز أتندال” أن الشائعـة تستـخدم كستار لإخفـاء حقيـقـة معينة وتكوين صورة بعيدة كل البعد عن الواقـع, ومن أهدافها, وضع الخـصم في حالـة نفسـية متدنية, والتأثير على نمـط العلاقات وتعكير الأجواء الى درجة مخيفة.. وأيضـاً, السيطـرة علـى قدرات الخصـم لتسـديد الضـربة القاضيـة في اللحظـة الحاسمـة.
كما تتعمد الشائعة ترويج الأخبار التي تشيع الرعب في نفوس المقاتلين وتعزز فيهم حالة التشاؤم, طمعاً من مروّجيها بمنع الخصم من تنفيذ خططه العسكرية وتحقيق الطموحات المقررة قيادياً.

سمات الشائعة

تنطلق الشائعة من واقع المجتمع الذي تبث فيه, وتأخذ حاجات الأفراد بعين الإعتبار عند بثها, وهي تتسم بطابع الغموض, كونها لا تنتسب الى مصدر محدد, لأن الغموض يولّد الشك, وهذا مطلوب لنجاح مقاصدها.. والشائعة تُنسب من خبر لا أساس له من الصحة, أو دبلجة خبر فيه شيء من الصحة, وتكون دائماً موجزة لتسهيل نشرها… وقد أجمع علم النفس أن الشائعة هي عبارة عن تنفيس للمشاعر المكبوتة, ويرى فيها الفرد ما ليس موجوداً في غيرها؛ وهي تنجح دائماً في بثّ سمومها, لأن مروّجي الشائعات يقدّمون الشائعة بصورة برّاقة, فلا تخرج إلا بعد حبكة وصياغة وإختيار جيّد للكلمات والزمن لتفرض نفسها بقوة على الرأي العام.
إن عملية إنتقال الشائعات تتعرّض أثناء حركتها الى عملية تحوير, وهذا التحوير أو ما يسمى بالتطعيم يستفيد منه مروّجو الشائعات, لأن عملية التحوير تخدم الهدف الذي من أجله تمّ إطلاق الشائعة الى النور… والشائعات تختلف بإختلاف المواقف, فهنالك الشائعات السوداء, وهي تحمل طابع التشاؤم وتكون سريعة الإنتشار والهدف منها إرباك الخصم.. أما الشائعات البيضاء, فهي تدعو الى التفاؤل وتثبيت الثقة في النفوس وتقوية العزائم.
وهنالك بعض الشائعات هي من القوة بحيث تزيد من الحالة الإنفعالية للفرد, والمعروف أن الإنفعال يزيد من الحساسية النفسية عند الأفراد ويخلق البلبلة في الرأي العام, وقد قيل فيها, أنها أفضل أسلوب مدمّر استخدم في الحروب, وسلاح مدمّر من أسلحة الحرب النفسية.. فلماذا نخضع الأعداء بالوسائل الحربية ما دام بوسعنا إخضاعهم بوسائل أبسط وأجدى؟
وتكـثر الشائعات في فترات الطوارئ, وعندما يرتاب الناس في سلامة الوضع السياسي والأمني, وتفرض نفسها حين يكون الناس في حالة من الترقب أو الخوف من حدوث أمر ما, فإذا ما ظهرت الشائعة لاقت قبولاً خاصةً إذا كان تمثل ذلك الموقف الغامض, ونذكّر بأن الغموض في الشائعة يساعد في إنتشارها ويعطي للناس فرصة أكبر في تصديقها.. ولا يمكن الإستهانة مطلقاً بخطورة الخلفية التي تتركها الشائعة وراءها. وحتى نحجّم من أهمية الشائعة وخطرها على المجتمع المدني والعسكري, لا بد من التعاون الوثـيق بين المواطـن والسلـطة لمحاربتـها بإظـهار الحقيـقة والدوافـع التي كانت وراء إختلاقها للرأي العام, كما يجب عدم تلقي الشائعة بإنفعال, ومناقشتها, وتحديد مصدرها, والإبلاغ عنها, لتنبيه المواطنين وتوضيح الدوافع, فهذا يحد من إنتشارها.
وهنا, لا بد من التنويه, بأن لأجهـزة الإعلام دوراً كبـيراً في تحجـيم الـشائعة أو العـكس, بيد أن الشائعة تؤدي الى انعكـاسات سلبية لدى الرأي العام, ما لم تقترن بصـحة المـصدر والمـعلومات وتتـحدد دوافـعها, ونحـن اليوم أحوج ما نكون الى صرف النظـر عن الشائـعات, حيـث أننا لم نزل ننفـض عنّا غبار الشائعات التـي كان لهـا دور كبـير في إشعال نار الفتنة التي دفع ثمنها الوطن والمواطن. وللقـضاء على الـشائعة, المطـلوب, عدم ترديدها, لأن عدم ترويجها يحد من سريانهـا وإنتشـارهـا, لتدفن في مهدها, فإذا كانت صحيحة المصدر وتحمـل الى الـناس حقيقة ثابتة, لا بد أن تعود لتفرض نفسها وبقوة, لأن الحقائق كالشمس التي وإن غابت لا بدّ أن تشرق من جديد.

======

علم نفس

التفكير العقلاني واللاعقلاني وتأثيره على الشخصية

إعداد ناديا متى فخري

التفكير العقلاني واللاعقلاني وتأثيره على الشخصية

بعض أساليب التفكير تولّد الإنهزامية

إن استجاباتنا الوجدانية والإنفعالية والإضطرابات التي تصيب الإنسان، تعتمد بنسبة كبيرة على وجود معتقدات فكرية خاطئة يبنيها عن نفسه وعن العالم المحيط به. فالعقيدة تحكم السلوك، والمعتقدات التي تتملك الإنسان ويُدرك من خلالها الأمور، هي التي تصنع السلوك.. هذا ما لفت إليه علماء علم النفس المعاصر، الذين اهتموا بدراسة خصائص الشخصية وما يصحبها من حالات تقود الى الفعالية الإجتماعية، أو الى الإنغلاق الإجتماعي.

العلاقة بين التفكير والسلوك

أثار هذا الموضوع النقاش الساخن بين روّاد علم النفس والإجتماع، الذين كانت لهم محاولات جادة لكشف الأسباب المانعة للتوافق مع النفس والبيئة، والمرجحة لاضطراب السلوك الإجتماعي، وقيام حالة من الإنسحاب الكلي من الصلات الحياتية مع الغير، بما معناه، الإنسحاب من النمط العملي من الحياة، ومن المجالات التي تمثل قيمة حيوية وتشمل العلاقات الأسرية والمهنية والإجتماعية… وبالرغم من تعددها، فإن المفاهيم والآراء التي تبناها المفكرون لغرض تقييم العلاقة بين التفكير والسلوك الشخصي والإجتماعي، تلتقي في مجموعها حول مبدأ أن التفكير والإنتقال والسلوك جميعها أشكال متلاحمة، والتغيير في إحداها يغيّر في العناصر الأخرى كلها، وأن الإضطراب السلوكي يرتبط بأساليبنا في إدراك الأمور وتفسيرنا لها. فالناس لا يضطربون من المواقف، ولكن من الآراء التي يحملونها عنها… وفي هذا المجال حذّر العلماء من: المغالاة في التقدير الشخصي للأمور، والقفز الى الإستنتاجات، والتفسير السلبي لما هو إيجابي، وقراءة المستقبل قراءة سلبية وحتمية وغير ذلك، من أنماط فكرية محبطة ومُربكة… كما أشار العلماء الى أن الإستعدادات الذاتية الثابتة في الشخصية، كالأفكار التسلطية (العـناد، التصلّب في الرأي…) وأيضاً الشك الدائم في المهارات الذاتية، والإندفـاع الخـارج عن السـيـطرة الإرادية، والإعـتياد على الـتواكل على الآخرين، والإحساس بالعجز عن التلاؤم مع ظروف الحياة الخارجية وحاجاتها، كلها أمور تدفع بالسلوك الى الإضطراب وتستهدف الشخصية.

تأثير العوامل الذهنية

بالرغـم من أن فكـرة تأثير أسلوب التفـكير في حياتنا الإنـفعالية والسلوكـية قد تبلورت على نحو واضح في السنوات الأخيرة، فإن لها جذوراً ممتدة من الماضي، فقد تنبّه المفكرون الأوائل الى أن أفكارنا هي التي تجعل سلوكنا مضطرباً أو سوياً. ومن هنا، ابتكر المعالجون النفسيون مفاهيم مختلفة عن قيمة العوامل الذهنية والفكرية وتأثيرها في حياتنا واتجاهاتنا. ويرى أدلر (Adler)

أن المدخل المناسب لفهم الإنسان هو أن نتعرف إليه من خلال فهمنا لمعتقداته الفكرية والأهداف التي يرسمها لنفسه، فبرأيه أن التفكير في أمور الحياة بطريقة منطقية ومتعقّلة، تصحبه حياة وجدانية هادئة، واتجاهات سلوكية خالية من أي اضطراب أو سلبية؛ أما إذا كانـت طريقة التفـكير غير منطقية، ومطعّمة بصبغة سوداوية مشوّهة للواقع، فسيكون السلوك على درجة مرتفعة من الإضطراب ويتوقع بسببه جنوح الفرد نحو السلبية، التي تكون بداية لظهور بذور سوء التوافق الإجتماعي. وقد أعطى أدلر، للمقومات الوجدانية حصة كبيرة في جنوح السلوك إيجاباً أو سلباً، ويقول: “… إن شعور الفرد بعدم الإرتياح، وتوقعه الخطر من مصدر ما غير واضح في ذهنه، يجعله في ترقّب دائم وفي حالة استعداد وتحفّز متواصل توقعاً للخطر وتأهباً لملاقاته، وهذا التشوّف الفكري يشن عليه حرباً نفسية، فتكون الصبغة الإنفعالية هي الغالبة، والمنتج المساهم في تقرير مسلكه الإجتماعي. وقـد تمـكن أدلر، في افتراضاته التـحليلية أن يُظـهر مـدى اقتناعه بفكرة أن لأساليب التفكير تأثيراً على تكوين الشخصية وتقرير أمزجتها وانفعالاتها وسلوكها، متفقاً في رأيه هذا مع معاصريه. إلا أن أدلر، كانت له بعض المآخذ ونقاط النقد حول النظرية التي أتى بها فرويد، وتفيد بأن التعرض للضغوط الشديدة له الدور الأول، والأساسي، في تحريك حدّة الإنفعال النفسي والمزاجي، الذي يوجه آلية التفكير في اتجاه سلبي أو إيجابي.

الحتمية السلوكية

ما جاء في نظريات فرويد التي ما زلنا نتحدث بلغتها حتى الآن، أعطى الدلالات الكافية على أن للعوامل النفسية الذاتية: الآراء والقيم والصراعات الداخلية، أعمق الأثر في تقرير الحتمية السلوكية، وأن هذه العوامل تمثّل جزءاً متوازناً من سلوكنا الإنساني. والمتتبع لاجتهادات فرويد يرى بوضوح إصراره على أن الإضطرابات السلوكية هي نتاج للتجارب الفاشلة والمكبوتة، ويقول في ذلك: “… إن الإنسان يسعى جاهداً لتحرير نفسه من صراعات مكبوتة أنشأت لديه الشعور بالنقص، هذا الشعور الذي يجعل حامله يضع نصب عينيه، أو في خياله أهدافاً غير واقعية قد يصعب أو يتعذر إدراكها، والسبب أن أداة التكييف اللازمة غير كافية لتحقيق رغبته الذاتية، ورفده في العلائق الإجتماعية والحياة العملية…”. وفي الوقت نفسه اعتبر فرويد أن الإنفعالات والتجارب المكبوتة تظلّ كامنة الى أن تجد منفذاً لها تعبر منه، وفي الحالتين تظلّ مهددة للشخص في سلوكه. وهو يضيف: “… إن السمات غير المتوافقة في السلوك الإجتماعي هي خلاصة صراع قائم بين جانبين من الشخصية، إضافة الى العوامل النفـسية، وهذا الصـراع يشارك في إحـداثه، التفـكير العـقلاني، أو، اللاعـقلاني… فسـلوك الإنسـان هو استجابة للعمليات الفكرية التي تمدّه بالطاقة المدافعة لعمل أي شيء سلبي أو إيجابي، فطـرق التفـكير والإدراك الشخصي لواقع الأمور هو المحور الأساس لحتمية السلوك ومظاهره”.

التفكير العقلاني واللاعقلاني

إن الإستسلام للأفكـار السلـبية الإنهزامـية يغيّب مقومـات الصـفاء الذهني والسواء السلوكي، تماماً كما لو كنا ننظر من خلال عدسة مشوّهة، فبدلاً من رؤية الحقيقة واضحة نراها محرّفة. هذا ما أشار إليه بيك (Beck)

في مناقشته الموضوعية حول “السلوك الإنساني”، وقد أعطى أمثلة كثيرة وضّح فيها أثر التفكير كقوة فاعلة في السلوك، كما بيّن متى يكون التفكير عقلانياً أو لا عقلاني. وفي معرض أبحاثه قدّم لنا بيك ما يمكن اعتباره جدولاً بمقاييس التفكير الإيجابي، والتفكير السلبي، مبيّناً الأفكار التي تساعد في رفد فاعلية السلوك الإجتماعي، وأيضاً الأفكار الخاطئة التي بنتيجتها يتكوّن السلوك المضطرب. فالإنسان السلبي في تفكيره، هو الذي يردد عبارة: لا أحد يحبني، أشعر أنني منبوذ من أسرتي وأنه لا جدوى من حياتي… أنا إنسان ضعيف الإرادة ولن أصل أبداً الى ما أطمح إليه، لا يوجد من يفهمني… أرى المستقبل قاتماً… الخ. وهو أيضاً يعيش في دوامة من المعتقدات التي يعبر معها في اتجاهات لا توافقية، فالسلبي، يأسره اعتقاد بأن الناس تظنّ به سوءاً، أو أن زميلاً له في العمل يضمر له سوءاً، وأن المستقبل سيكون أسوأ من الماضي، وهكذا… أما العقلاني فيحدث نفسه ويحاورها بأسلوب منطقي وإيجابي، ويردد بعض العبارات المحفزة إيجاباً، منها مثلاً: أملي كبير في المستقبل، الحياة مليئة بالفرص ولا يجب أن أتشاءم، بإمكاني أن أكون سعيداً في أي ظرف من الظروف.. أشعر بمحبة رؤسائي لي وزملائي في العمل.. إذا فشلت اليوم فلا بد أن أنجح في الغد.. التفكير في الأمور السيئة أسوأ من الأمور ذاتها.. مصائب اليوم قد يكون لها فوائد في الغد… بيدي أن أغير رفض الآخرين لأسلوبي… الى ما هنالك من عبارات. أخيراً، إن أسوأ الأمور أن يصف الإنسان نفسه بالفاشل ويعجز عن أن يرى إمكانيات النجاح والتفوّق في ما يفعل حتى لو كان أداؤه متفوّقاً. وأصدق تعبير نطلقه في هذا المجال هو: “إذا أراد الإنسان أن يغيّر من حاله، فما عليه إلا أن يغيّر ما بنفسه”.

=====

رحلة في الإنسان

أحلام اليقظة بين متعة الهروب وهوس الإدمان

إعداد: غريس فرح

من منّا لم يقض قسمًا من أوقات فراغه سارحًا في دنيا الأحلام، حيث متعة الهروب من واقع ضاغط، أو مغاير للآمال والتطلعات؟

أحلام اليقظة تأخذنا إلى حيث يصعب علينا الذهاب، وتحقّق لنا أهدافًا بعيدة المنال. لكن، هل تضاهي المنافع التي نجنيها من الإستمتاع بها أضرار الإدمان على حياكتها؟

الدراسات العلمية التي أجريت حول أحلام اليقظة، أدت إلى فهم دور هذه الأحلام في تفعيل عملية الوعي الطبيعي، الأمر الذي عزّز أهمية وجودها، ولفت إلى الأضرار التي قد تنجم عن غيابها.

دور أحلام اليقظة في حياتنا

بالنسبة إلى الباحثين في علم النفس، فإن عالم أحلام اليقظة هو عالم إفتراضي، ينسج الحالمون أحداثه ويعيشون تفاصيله، فيتذوقون طعم السعادة والثراء، ويحققون أهدافًا يصعب تحقيقها في الواقع.

فالمغامرات التي يخوضها الحالم في هذا العالم تساعد، بحسب الباحثين، على استنباط حلول خلاّقة، وتذكر لدى الإنغماس في العمل الروتيني، بالأهداف البعيدة المدى، والمهمة بالنسبة إلى المستقبل. مع ذلك، فهذه الأحلام قد تجرّ البعض إلى عالم الإدمان، حيث يصبح التلذّذ بالخيال متعة تعطل النشاطات الحياتية، بما فيها العمل والعلاقات الإجتماعية. وهنا يشير الباحثون إلى العلاقة بين الإدمان على أحلام اليقظة والإدمان على المخدرات، وكلاهما يقترن بمشاعر الندم والقلق والخجل. مع ذلك تعتبر أحلام اليقظة جزءًا من تكوين الدماغ، وهذا يعني أنها حالة طبيعية، حتى ولو تسببت بالإدمان الممكن علاجه.

فهذه الأحلام، كما تشير الدراسات الجارية كافة، تنشأ عن شبكة خلايا عصبية دماغية، مهمتها تحويل الأفكار إلى صور خيالية، أو تسلسل أحداث يستعرضها الوعي بشكل أفلام شيقة. هذا الإكتشاف العلمي، ساعد إلى حد بعيد، على فهم الأهداف التي من أجلها تكوّنت هذه الشبكة العصبية، وتشكلت وظائفها، وطرق عملها.

فالخلايا العصبية المشار إليها لا تعمل، بحسب الباحثين، عندما نكون منهمكين في العمل. ولكن، في اللحظة التي نشعر خلالها بالفراغ، تمارس وظيفتها الهادفة إلى تفعيل الشعور بالأنا. وعلى هذا الأساس يعتبر عملها ضروريًا من أجل تعميق معرفتنا بأنفسنا وبكيفية دمج العالم الخارجي في خبايا ذواتنا.

دليل على الصحة العقلية

عرّف البروفسور جيروم سينجر أستاذ علم النفس في جامعة يال الأميركية YALE أحلام اليقظة بأنها تحويل الإنتباه من حالة فيزيائية أو عقلانية، باتجاه مشاهد خيالية ينسجها الدماغ لدوافع باطنية.

وحسب رأيه، فإن هذه الأحلام نوعان: النوع الإيجابي البناء الذي يتضمن رؤى متفائلة، والنوع القلق الذي قوامه أفكار وصور قاتمة، وشعور بالندم والفشل. وبرأيه، فإن أكثرية الناس قد اختبرت النوعين بدرجات متفاوتة. وهنا يلفت إلى ارتباط أحلام اليقظة الواضحة بالصحة العقلية، ويقارن بين أحلام الأصحاء وأحلام المرضى النفسيين. فالأخيرة كما هو معروف، تفتقر إلى الوضوح والتماسك وتسلسل الرؤى.

مفتاح الإبداع

من البدهي القول إن المبدعين والفنانين والعلماء قد مارسوا لعبة أحلام اليقظة بمهارة فائقة. فالكاتب التركي المعروف أوتان باموك، الحائز جائزة نوبل للآداب العام 2006، كان قد تخيّل عندما كان صغيرًا عالمًا آخر ألهمه الكتابة في صباه. وعرف أن العالم البرت أينشتاين كان يتصوّر نفسه سارحًا في الفضاء فوق موجة ضوء.

أما منتج الأفـلام تيم بيرتون، فقد حلم طوال حياته بالنجاح في هوليود، وقضى مرحلة طفولته يحلم بانتاج سلسـلة أفلام رعب خيالية.

كيف تساعد أحلام اليقظة على الإبداع؟

المعروف أن وظائف الدماغ لا تعرف السكون، والتحليق في فسحات خيالية هو كما أشرنا، جزء من هذه الوظائف التي تخدم الأهداف التطورية. والدليل أنه عندما نكون منهمكين بالعمل، نلمس بوضوح حركة العقل الذي يذكّرنا على الدوام بما نحلم به ونسعى إلى تحقيقه. وهنا يلفت الباحثون إلى أن الدماغ الذي يختزن ملايين الأحداث التي تتركها أحلام اليقظة في الذاكرة، لا بد وأن يطلقها خلال العمل أو التأمل، الأمر الذي يعود علينا بالفائدة.

ماذا لو تحوّل الحلم إلى مخدّر؟

سبق وأشرنا إلى أن أحلام اليقظة قد تتحول إلى عامل مدمّر في حال الإدمان على الاستمتاع بها من دون القيام بعمل يترجم محتواها إلى أهداف قيمة.

في حال كهذه، تتحول أحلام اليقظة إلى مخدّر يرافق الوحدة ويؤمن لأصحابها رفقة خيالية قسرية يصعب الاستغناء عنها. وهنا يلفت الباحثون إلى أن وضع الإسترخاء الذي تؤمنه أحلام اليقظة القسرية، يمنع من الإندماج في المجتمع، كما يحول دون لقاء أصدقاء فعليين، أو حتى التمكن من العمل.

وكانت الدراسات التي تناولت هذه الحالة قد أشارت إلى كونها ظاهرة مرضية، أو اضطرابًا يصحبه تخيلات هوسية خارجة على المألوف.مع ذلك، يؤمن البعض بأن هذا النوع من النشاط الدماغي القسري، قد ينشأ كآلية دعم تساعد المعنيين بها على التعامل مع الوقائع غير المحتملة، والتي لا يمكن تخطّيها.

هل يسرح عقلك خارج السيطرة؟

من أجل التفرقة بين أحلام اليقظة المحفّزة للإبداع وتلك القسرية الهوسية ينصح الباحثون بالاستفادة من الإرشادات الآتي ذكرها:

– إستقصاء مضامين الأحلام التي تراودنا والتأكد من إمكان الإستفادة من الأهداف التي تختزنها.

– إجراء مقارنة بين نسبة استفادتنا من التحليق في عالم الخيال، وبين ما يجنيه المبدعون من هذا التحليق، الأمر الذي يرشدنا إلى ايجابية أحلامنا أو سلبيتها.

– الإنتباه إلى أن الخيال الهوسي يتجلى بشكل تكرار للصور والأفكار العالقة في الذهن وعادة ما يكون خارج السيطرة.

– في حال تمكن الحالم من تصنيف أحلام يقظته في الفئة الهوسية، يوصى بمراقبة نفسه، والتدرب على الإندماج تدريجًا في المجتمع. كما ينصح بالانهماك بالعمل المجدي، وإلاّ ينصح بالخضوع للعلاج النفسي.

=====

د.عدنان عبود

رحلة في الإنسان

النرجسية من منظور علم النفس الحديث

إعداد: غريس فرح

من يحب ذاته يحبه الآخرون

النرجسية بالمفهوم العام هي التركيز على الذات، أو الاعتداد بالنفس والميل إلى ترجيح كفة «الأنا» على ما عداها. أما التسميّة، فتعود إلى أسطورة إغريقية قديمة تروي قصة شاب افتتن بصورته المنعكسة على سطح الماء. وحسب الأسطورة، بقي واقفًا يحدّق بجمال ذاته، إلى أن لوى جسده وتحول إلى نرجسة (نوع من الأزهار).

ما هو رأي علم النفس الحديث بهذه الصفّة البشرية، وكيف يقيّمها أصحابها؟

الشخصيّة النرجسيّة

إذا حاولنا التفتيش عن معنى النرجسية في موقع «غوغل» على شبكة الانترنت نرى أنها صفة غير مستحبّة على الإطلاق. فهي تعبّر عن الأنانية والغرور والتعالي، إلى ما هنالك من صفات مكروهة من المجتمع. مع ذلك، فإن علم النفس بدأ يتناولها من زوايا مختلفة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن حب «الأنا» يعتبر، بحسب الباحثين، متأصلاً في أعماق كلٍ منا بدرجات متفاوتة، لذا يصبح من الضروري برأيهم، التعرّف إلى ذواتنا من خلال تفهّم أبعاد الشخصيّة النرجسيّة.

كيف نتعرّف إلى النرجسيين؟

في هذا السياق أجريت اختبارات على مجموعات من الناس، طلب إليهم الإجابة على أسئلة تبرز معالم شخصياتهم. ونتيجة ذلك، تبيّن أن النرجسيّين يحبون الحياة الاجتماعيّة أكثر من سواهم، الأمر الذي يسهّل عليهم البروز ولفت الأنظار.

إلى ذلك، فقد أكّد معظمهم أنهم مميّزون، ويتمكنون من تأدية أعمال يعجز عنها سواهم.

واللاّفت أن نتائج الاستجوابات أظهرت صحّة ما ورد في الأسطورة الإغريقية. فالنرجسيون هم على العموم مأخوذون بمظهرهم الخارجي وشخصيتهم الفريدة. وهذا يظهر من خلال اهتمامهم المفرط بالأناقة وبالحياة الاجتماعيّة. والأهم أنهم يتجنّبون استخدام كلمة «نحن» ويستبدلونها بكلمة «أنا».

هل تعتبر مرضًا نفسيًا؟

النرجسيّة على العموم، لا تعتبر مرضًا يستحق العلاج، لكن في حال بلغت حدّ التطرّف، فإنها تصنّف في عداد اضطرابات الشخصيّة. وهذا يظهر من خلال أحلام غير واقعيّة بالنجاح، إضافة إلى الغيرة المفرطة من إنجازات الآخرين. والمعروف أن المصابين باضطراب الشخصيّة النرجسيّة يعتبرون أنهم يستحقون معاملة خاصة. والمثال على ذلك الصعوبة التي يواجهونها في أثناء انتظار دورهم في الأماكن العامة، وخصوصًا وراء من يجدونهم أقلّ شأنًا.

من هنا يمكن القول أن الشخصية المشار إلها هي مزيج من عاملين هما: الشعور الزائد بالعظمة والغرور المفرط، مع الإقدام على فرض الذات بالقوة. وهي شخصيّة ميّزت قادة سياسيين أشارت إليهم الدراسات، منهم على سبيل المثال صدّام حسين، وموسوليني وهتلر وسواهم من القادة المستبدين من الذين عرفهم التاريخ.

حتى الآن لم بتمكن علم النفس من معرفة أسباب تكوّن الشخصية النرجسية المرضية، لكن الأبحاث الجارية تشير إلى أنها قد تكون تعويضًا عن الشعور بالنقص.

أبعاد الشخصيّة النرجسية المرضية

من خلال دراسة أجريت في جامعة كاليفورنيا الأميركية، تبيّن أن النرجسيّة المرضيّة ترتبط عمومًا بالتهوّر في اتّخاذ القرارات، وبالعدائية والعنف، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن العنف الذي يميّز هذا النوع من الإضطراب، قد يصل أحيانًا إلى درجة ارتكاب الجرائم وسواها من الأعمال غير المسؤولة. والمعروف أيضًا أن النرجسيين المرضيين يميلون إلى التفكير بالانتحار، وقد يقدمون عليه في حال شعورهم بالفشل، أو نتيجة عدم إعطائهم الأهمية التي يستحقونها «بنظرهم».

مرآة ذات وجهين

مع ذلك، ينظر علم النفس اليوم إلى النرجسية كمرآة ذات وجهين، أو سيف ذي حدين. فرصيدها، كما أشارت آخر الدراسات، بدأ يرتفع بشكل لافت، وخصوصًا بين طلاب الجامعات ورجال الأعمال والموظّفين في القطاعات العامة والخاصة. وهذا يعني بحسب الباحثين أننا نعيش حاليًا في ظل حضارة نرجسيّة متنامية، حضارة يسودها الأنانية والغرور والتنافس الحاد في جميع المجالات.

صحيح أن الكثيرين يجدون صعوبة في التعامل مع النرجسيين، لكن نتائج الدراسات، أكدّت أنهم يفرضون أنفسهم كقياديين، ويتولّون أعلى المناصب. فالطلاب النرجسيون على سبيل المثال، يبرزون خلال النقاشات الجماعية، كما يتمكّن معظمهم من النجاح في مقابلات العمل بعد التخرّج. والسبب أنهم يبرعون في إظهار ثقتهم بأنفسهم. وعرف نتيجة دراسة أجريت أخيرًا في جامعة كالفورنيا، أن النرجسية تعتبر متفشيّة بين مشاهير العالم بشكل عام.

إن التطّرف في إظهار عظمة الذات لا يخلو من الخطورة، لكن اكتساب الثقة بالنفس، والطموح إلى احتلال أعلى المراكز يعتبر ضروريًا لتحقيق الأهداف، لذا يمكننا تعلّم دروسٍ لا يستهان بها من الذين يعتبرون أنفسهم مركز الكون.

===============