التوحيد:

التوحيد ونبذ الشرك من أهمّ المسائل العقائدية التي تصدَّرت المفاهيم والتعاليم السماوية على الاِطلاق، ويعدّ أساساً لسائر المعارف الاِلهية التي جاء بها رسل اللّه في كتبهم وكلماتهم
و التوحيد ينقسم أو يشمل:

الأول: التوحيد في الذات

والمراد منه هو انّه سبحانه واحد لا نظير له، فرد لا مثيل له، بل يمتنع أن يكون له نظير أو مثيل، قال سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّميعُ الْبَصير) .(الشورى11)
وقال سبحانه: (قُلْ هُوَ اللّه أَحَد* اللّهُ الصَّمَد* لَمْ يَلِدْوَلَمْ يُولَدْ*وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد) .(الإخلاص1-4) 

الثاني: التوحيد في الخالقية
والمراد انّه ليس في صحيفة الوجود خالق غير اللّه سبحانه، ولا موَثر سواه، وانّ ما في الكون من السماوات والاَرض والجبال والبحار والعناصر والمعادن والنباتات والاَشجار فهو مخلوق للّه سبحانه، فوجودها وأفعالها وآثارها كلّها مخلوقة للّه تبارك و تعالى.فالشمس وحرارتها، والقمر وإنارته، والنار وإحراقه وغير ذلك من الفواعل والاَسباب كلّها مخلوقة للّه تبارك وتعالى مع آثارها ومسبباتها، قال سبحانه: (قُلِ اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ القَهّار)( الرعد/16) . وقال سبحانه: (اللّهُ خالِقُ كُلّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلّ شَيْءٍ وَكِيل)( الزمر/62) وقال تعالى: (ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إلهَ إِلاّهُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) .( الاَنعام/102)
الثالث: التوحيد في الربوبية
والمراد منه انّ للكون مدبراً واحداً متصرفاً كذلك لا يشاركه في التدبير شيء فهو سبحانه المدبر الوحيد للكون على الاِطلاق، قال سبحانه: (إِنّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالاَرْضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الاَمْر)(يونس 3) وقال سبحانه: (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرونَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَر كُلٌّ يَجْري لاَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الاَمْر) .(الرعد2) 
تجد انّه سبحانه يذكر بعد خلق السماوات والاَرض، تدبير أمر الخلقة، وربوبيَّتها فيُحصره في ذاته فلا مدبِّر ولا ربّ إلاّ هو، فيكون الخالق هو الموجد، والرب والمدبر لاَمر الخلقة ودوامها واستمرارها.
نعم ثمّة سوَال وهو انّه إذا لم يكن مدبر سواه فما معنى قوله سبحانه:(فَالمُدبِّراتِ أَمْراً)(النازعات 5) أو قوله تعالى: (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَة)(الأنعام 61) فانّ الحفظة جمع «الحافظ» وهم الذين يحفظون العباد ويدبّرون شوَون حياتهم،أفهناك تناف بين هذا الإثبات والحصر السابق؟!
والجواب انّ من كان ملمّـاً بحقائق القرآن وعارفاً بلسانه يقف على عدم وجود أيِّ تناقض وتناف بين ذلك النفي وهذا الاِثبات، وذلك لاَنّ الهدف من حصر التدبير باللّه سبحانه هو حصره به على وجه الاستقلال، أي من يدبر بنفسه غير معتمد على شيء.
وأمّا المثبت لتدبير غيره، فيراد منه انّه يدبر بأمره وإذنه وحوله وقوته على النحو التبعي فكل مدبر في الكون من ملك وغيره فهو مظهر أمره ومنفِّذ إراداته. 
وليس هذا بعزيز في القرآن ترى أنّه سبحانه ينسب فعلاً لنفسه وفي الوقت نفسه ينسبه لشخص آخر، ولا تناقض، لاختلاف النسبتين في الاستقلال والتبعية، قال سبحانه: (اللّهُ يَتَّوَفى الاَنْفُسَ حينَ مَوتِها)(الزمر42) و قال: (حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) .(الأنعام 61) 
فالتوفّي على وجه الاستقلال هو فعله سبحانه، وأمّا التوفّي بحوله وقدرته وإرادته وأمره فهو فعل الرسل.
وبعبارة أُخرى: هناك فعل واحد وهو التوفّي، يُنسب إلى اللّه بنحو وإلى رسله بنحو آخر، دون أيّ تناف وتنافر بين هذين النسبتين.

الرابع: التوحيد في التشريع والتقنين
فالحلال هو ما أحلّه الله و الحرام هو ما حرمه الله

الخامس: التوحيد في الطاعة

والمراد انّه لا يجب طاعة سوى اللّه تعالى، فهو وحده يجب أن يُطاع وأن تمتثل أوامره ونواهيه، وأمّا طاعة غيره فتجب بإذنه وأمره وإلاّ كانت محرمة موجبة للشرك في الطاعة، قال سبحانه: (وَما أُمِرُوا إِلاّ ليَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّين)(البينة 5) والدين في الآية بمعنى الطاعة أي مخلصين الطاعة له ولا يطيعون غيره.

نعم تجب إطاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمره تعالى، قال سبحانه: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّه) .(النساء64) 

وفي آية أُخرى عُدَّت طاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من مظاهر طاعة اللّه وقال: (وَمَنْ يُطِعِ الرَّسُول فَقَدْ أَطاعَ اللّه) .(النساء80) 
السادس: التوحيد في الحاكمية

والمراد منه انّ الحكم على الناس يوم القيامة هو حقّ مختص باللّه تبارك و تعالى،قال سبحانه: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلينَ) .(الأنعام57) وقال سبحانه: (أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبينَ)( الأنعام62) 

السابع: التوحيد في العبادة

والمراد منه حصر العبادة باللّه سبحانه وهذا هو الأصل المتفق عليه بين جميع طوائف المسلمين فلا يكون المسلم مسلماً إلاّ بعد الاعتراف بهذا الاَصل، وشعار المسلمين الذي يردّدونه كل يوم هو قوله سبحانه: (إِيّاكَ نَعْبُدُ) فعبادة غيره إشراك للغير مع اللّه في العبادة، موجبة لخروج المسلم عن ربقة الإسلام.